زوارها نصف مليار شخص شهرياً .. سلبيات (ويكيبيديا) ترسم نهايتها
2013-07-15
تمتلئ الموسوعة العالمية "ويكيبيديا" بعديد من السلبيات التي يمكن أن تحول دون استمراريتها على ساحة المصادر المعلوماتية، ومعالجة هذه السلبيات يتطلب اتخاذ إجراءات ثورية.
تمتلئ الموسوعة العالمية "ويكيبيديا" بعديد من السلبيات التي يمكن أن تحول دون استمراريتها على ساحة المصادر المعلوماتية، ومعالجة هذه السلبيات يتطلب اتخاذ إجراءات ثورية.
عندما قرر جيمي ويلز، ولاري سانجر إنشاء موسوعة يستطيع أي مستخدم إعادة تحرير محتواها، شعر كثيرون بأنها فكرة جيدة وان كانت طائشة بعض الشيء . وانحازت الأيام إلي الرجلين وأثبتت عبقريتهما، إذ تحوي الموسوعة العالمية في الوقت الحاضر 25 مليون مفردة متاحة ب 285 لغة، ويرتادها ما يقرب من نصف مليار شخص شهرياً بحثاً عن مرادهم.
ويرى ديفيد اينبرغر الذي يدرس تأثير التقنيات الحديثة على أفكار ومعارف المجتمعات في جامعة هارفارد أن ويكيبيديا أسهمت بشكل رائع في التثقيف وزيادة المعرفة. وكان الهدف الأسمى لواضعي ويكيبيديا هو جمع المعرفة العالمية، وإتاحتها للجميع في مكان واحد، وراقت الفكرة للجميع خلال السنوات الفائتة، وانتفت صفة الطيش التي نعت بها العالمان في بداية الأمر، إن أصوات المؤيدين للموسوعة مطلقة التحذيرات من الخطر الذي يهدد مستقبلها، بسبب غياب مساحات كبيرة من المعارف الإنسانية عنها، ووجهت أصابع الاتهام إلى عدد من المحررين لتصديهم لمحاولات توسيع محتواها، فضلاً عن تواضع مستوى المحررين الجدد المهني، مقارنة بخبراء التحرير القدامى.
يشرع الأوصياء على الموسوعة في اتخاذ مبادرات لمعالجة هذه السلبيات، على الرغم من صعوبة ذلك، بحسب ما يرى هيذر فورد من معهد "أكسفورد للإنترنت" في المملكة المتحدة، وإذا صحت رؤيته فسيتجاوز الضرر موقعها الإلكتروني إلى ما هو أبعد بكثير . وعانت الموسوعة في بدايتها مشكلات تعلقت بدقة المحتوى، فمنذ عشر سنوات، شكك كثيرون في قدرتها على منافسة آية موسوعة تقليدية، بيد أن هذه الفكرة تغيرت بعد أن أقدم فورد بالتعاون مع فريق من المراسلين في صحيفة "نيتشر"، على عقد مقارنة بين دقة مدخلات ويكيبيديا وبين مقالات من الموسوعة البريطانية Encylopaedia Britannica، فثبت أن أخطاء الموسوعة ليست بالأهمية الكبيرة، كما وجد فاحصو الحقائق أن نفس الأخطاء موجودة في Encylopaedia Britannica . ومنذ ذلك الحين، دعم المحررون مصداقية الموسوعة بإصرارهم على احتواء موادها على اقتباسات أفضل، وبمنع المحررين غير المسجلين من وضع مدخلات جديدة. ويرى البعض داخل الموسوعة أنه حان وقت التغييرات الجريئة، لكن بدء التنفيذ يتطلب منهم إعادة التفكير في طريقة جمع وتصنيف المعارف، فإصلاح موسوعة عالمية ليس بالأمر السهل.
ومن السلبيات التي ينتقدها كثيرون الانحياز لثقافات بعينها، إذ تصطبغ أغلب مفردات الموسوعة بالصبغة الأمريكية والأوروبية، والسبب في ذلك لأن أغلب محرريها الناشطين يعيشون في الولايات المتحدة وأوروبا، فكان من الطبيعي الميل لثقافتهم الفطرية.
وتعزيزاً لصحة هذا الاعتقاد، أثبتت دراسة أجراها في 2011 مارك جراهام وزملاؤه في جامعة أكسفورد أن موضوع النفايات الثلجية للقارة القطبية حظيت بمقالات فاقت ما كتب عن إحدى دول إفريقيا، التي يقل عدد المقالات المخصصة لها عما كتب عن فكرة عالم وسط الأرض الخيالي، فهذه الدول مجهولة بالنسبة للموسوعة، بحسب جراهام. "وسط الأرض الخيالي" فكرة يقصد به قارة تتوسط الأرض تحتضن عالماً مثالياً ومن المثالب الأخرى للموسوعة، أن 90 في المئة من محرريها من الذكور، بما ينعكس على مدخلاتها . ويعتقد شايونج لام وزملاؤه في جامعة مينيسوتا في مينيابوليس أن المحررات من العنصر النسائي يفضلن العمل في مقالات متعلقة بالفنون والفلسفة، وقلة مشاركتهن تؤدي بالطبع إلى نقص في عدد مقالات المجالين بل وقلة محتواها.
ولهذه الميول الشخصية والتحيزات خطورة بالغة، على الرغم من إمكانية تجنبها، وعندما رغب القائمون على الموسوعة الرغبة في إضافة قدر أكبر من التنوع على محتواها، استعانوا بمحررين من البلدان التي لم تحظ باهتمام محرريها الحاليين . وصدم هؤلاء بقائمة من اللوائح والقوانين المقيدة التي تنظم العمل في الموسوعة، ومازاد المشكلة سوءاً عجرفة بعض خبراء التحرير القدامى، وسوء معاملتهم من الناحية المهنية، للدرجة التي بلغت حذف بعض أعمال الجدد من دون مبرر أو تفسير مقنع. أسهمت كل هذه المشكلات في تناقص عدد محرري النسخة الانجليزية من الموسوعة منذ 2007 وتدني معدلات ترقية المحررين إلى درجة مديرين، التي تمنحهم الحق في المشاركة التنفيذية في الإشراف وصياغة اللوائح والقوانين المنظمة . وأدت هذه السلبيات إلى الاعتقاد بأن الموسوعة ينقصها الأمان. وبحسب مجلة "نيوساينتست"، مخطئ من يعتقد في سهولة وجود بديل معرفي للموسوعة، وإن كان ذلك ليس مستحيلاً، فالمواقع التي تتيح لمستخدميها توجيه الأسئلة وتلقي الإجابات تعد منافساً ضمنياً لها، ففي كوريا الجنوبية، مثلاً، تتوفر خدمة " سؤال وجواب" يقدمها أحد محركات البحث، يعرف ب "Naver" الذي يحظى بشعبية تفوق شعبية ويكيبيديا، بحسب آندرو ليه من جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس انجلوس، إضافة إلى خدمة " Quora" المماثلة التي جذبت ملايين من دولارات المستثمرين منذ إطلاقها في العام 2010 . وينوي القائمون على الموسوعة إطلاق نظام جديد، في الأيام القليلة المقبلة، يعفي المحررين من تعلم الترميزات الكمبيوترية التي كان من الضروري الإلمام بها لتحرير مواد الموسوعة . بيد أن إيريك مولر نائب مدير مؤسسة ويكيميديا يرى أن ذلك لن يحل كل القضايا الشائكة التي تواجه المحررين الجدد.
وفي ما يتعلق بالمحررين الواعدين في الدول النامية، بدأت الموسوعة في العام 2010 في إقناع أساتذة الجامعات في البرازيل ومصر من أجل تكليف الطلاب بمهام تتعلق بإنشاء محتويات جديدة، وتحديث مواد الموسوعة.
ويسلط مولر الضوء على مبادرة تحمل اسم " ويكيبيديا زيرو" التي تتيح الدخول المجاني للموسوعة لمستخدمي الهواتف الذكية في الدول التي لم تحظ بقدر كبير من التطور، وتغطي الخدمة حتى الآن 12 دولة، منها كينيا، وتايلاند، إضافة إلى 20 دولة أخرى تنوي الانضمام للمبادرة. وعلى الرغم من كل هذه الجهود والمحاولات، يرى عدد من العاملين في الموسوعة أنها لن تؤدي إلى اقتلاع المشكلات القائمة والوصول بالموسوعة إلى درجة مصداقية عالمية، ويكمن السبب في أن زيادة عدد المحررين واستقطاب الكثير منهم لن يغير من الأمر شيئاً مع بقاء السياسات والقوانين المنظمة للعمل داخل الموسوعة . فمنذ أيامها الأولى، مُنع المساهمون من إضافة أفكارهم الخاصة، كما تنص القوانين على ذكر المقالات لمصادر موثوقة مثل الصحف الأكاديمية.
وتحظر الموسوعة نشر الموضوعات التي لم تدرس وتفحص جيداً، كما تمنع الأخبار من الدول ذات المصادر الإخبارية المحدودة.
آكال برابالا كاتب هندي من بنغالور (مركز قطاع تقنية المعلومات في الهند)، وأحد مستشاري ويكيميديا، يرى أنه لا يزال أمام دول مثل الهند وجنوب إفريقيا زمناً طويلاً للحاق بالركب . وابتكر برابالا نظاماً يسمح للمشاركين في ويكيبيديا بإجراء البحوث بأنفسهم، ويجري هو ومجموعة من طاقم الموسوعة من الدولتين ابحاثاً عن بعض العادات الاجتماعية المحلية، مثل لعب الأطفال، وبعض العادات الدينية التي لم تدرج في الموسوعة، والتقوا عدداً من المشاركين، وأدرجوا حواراتهم في الموسوعة، ولقيت معارضة شديدة ما أدى إلى حذفها.
وفي نهاية الأمر، إذا لم تتمكن ويكيبيديا من التوسع، أو إذا تباطأت خطوات تحديث محتواها، فستنعكس آثار ذلك ليس فقط على مستخدميها، بل على مواقع أخرى.
وفي خلال السنوات القليلة الفائتة، انتقى غوغل ومواقع البحث الأخرى باقات من المعلومات من الموسوعة وقدموها إلى زوارهم ضمن نتائج لعمليات بحث قاموا بها على محركاتهم . وتعكس تلك الخدمة خطط هذه المواقع التوسعية لتقديم كافة المعلومات عن الأشخاص والأماكن والمدخلات الأخرى إلى زوارهم لتحقيق هدفهم الأسمى المتمثل في توفير خدمة الإجابة عن جميع التساؤلات والاستفسارات مباشرة، بل وتعزيز القدرة على استشراف ما يدور في ذهن الزائر من تساؤلات.
|