طلائع التنوير في الثقافة العراقية .. (جعفر الخليلي) من رواد القصة العراقية
2013-11-25
مثل صورةٍ معلقةٍ على جدار أنهكته المواسم كلاهما يعلوه غبار الزمن يدلف الى مكتب المحاماة العائد لوالدي والذي تشغله الأن احدى المنظمات الثقافية في شارع المتنبي .
مثل صورةٍ معلقةٍ على جدار أنهكته المواسم كلاهما يعلوه غبار الزمن يدلف الى مكتب المحاماة العائد لوالدي والذي تشغله الأن احدى المنظمات الثقافية في شارع المتنبي .
رجلان واحد منهما أعرفه جيداً وهو الأستاذ ( احمد حامد الصراف ) - رحمه الله - والذي يرتبط مع والدي بصداقة حميمة نمتد في جذورها الى سنوات الزهاوي في الثلاثينيات من القرن الماضي حيث كانا من مريديه وشخص اخر لم أتبينه من قبل عرفت فيما بعد انه (الاستاذ جعفر الخليلي) كان ذلك في العام 1956 ذلك التاريخ في ذاكرتي مؤكداً حيث احداث 29 ت1المقترن بعام تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي ونحن نتجمهر امام( ثانوية الكرخ) ومن هناك توجهت الى مكتب والدي وهو اليوم الذي وصفت فيه اللقاء اعلاه وقتها كنت أدرج ادرج نحو ؟عتبه اليفاعة أهدى ذلك الشخص الذي لم أعهده من قبل ( الخليلي ) والدي كتاباً لم أتبينه الا بعد سنوات عديدة ذلك هو مجموعته القصصية المسماة ( اولاد الخليلي ) ومن حسن الحظ اني لم ازل احتفظ بتلك النسخة القديمة مع الاهداء تمر الايام ولم تزل ذاكرتي تختزن كيف تعاطفت وبحزن مع احد شخوص قصصهِ في تلك المجموعة والمسمى " بالمنذور " وفيها يتحدث عن عائلة تقطن في الشمال من بلاد الـــــــــــهند في مقاطعة ( التبت) من بعض سكانها زوجان مر على زواجهما اكثر من خمسة عشر عاماً دون ان يرزقهما الله بطفل متوسلين بشتى الوسائل ومنها التمائم والنذور . فنذر والداه لله تعالى ان هو من عليهما بمولود ان يحملوه صبياً بعد الفطام الى مدينة"النجف الاشرف " ويتركهُ سائباً في شوارعها وعندما بلغ " بيزي" وهو أسم هذا الصبي السادسة من عمره تحتم على الوالدين البربوعدهما هاهو الأب وقد بلغ مدينة النجف وهو يحمل طفله ليضعه وسط احد الشوارع وقريباً من عكد السلام في (محلة العمارة) وهي من محلات النجف العريقة .
يضعه هناك ثم يلوذ بالفرار لم يعد الأب يسمع سوى صرخات ابنه ولكن دون جدوى والقارئ لهذه القصة سوف يصدم بمدى الهوان والعذاب الذي لقيه هذا الطفل بعد فراق والده من هذه القصة وغيرها التي زخرت فيها مجموعات الخليلي يستنتج القارئ رفض لخليلي للعادات والقيم الباليه في تلك الفترة المبكرة في مدينة كالنجف تشتهر بصرامة تعاليمها ولكن في نفس الوقت كان بعض شبابها الناهض في حالة ثورة وتمرد على كل القيم البائدة والبالية ومعظمهم من عوائل دينية عريقة كان في الطليعة منهم محمد صالح بحر العلوم وقصيدته الشهيرة ( أين حقي) التي ترددت وقتها على كل لسان فيها تنديد بالظلم الاجتماعي والقهر السياسي والافكار الرجعية وتمضي قافلة الشباب الثائر وهي تضم فيما تضم الجواهري والخليلي وبعض شباب عائلة كاشف الغطاء .
في العام 1904 ولد ( جعفر الخليلي ) في مدينة النجف الأشرف في بيت يوصف بانه ( بيت علم وادب) وفي اسرة عرف عنها اتقانها ( للطب الشعبي ) ولد وفيه ميلٌ يتنامى ويتطلع نحو الثقافة الادبية وميلٌ نحو مهنة الصحافة فكان ان اصدر جريدة ( الراعي ) العام 1932 وكانت تلك بواكير اصداراته ثم كانت مجلة الهاتف الأسبوعية الأدبية في العام 1935 والتي بدورها لم تكن دار اصدار مجلة فحسب بل كانت بمثابة نادي ثقافي وفكري ارتادته النخبة من اعلام العراق وخارج العراق واستمرت بالصدور الى العام 1954 الكثير من المهتمين بشؤون الثقافة والفكر والادب وكتاب السيرة يعتبرون الخليلي ذا نمط متميز في الكتابة والقصة وبلغ القمة في تصويره لشخصيات الاعلام والعظماء والمتميزين في كل المجالات تجسدت فيما اصدره من مطبوعات مثل ( اليوميات) ،( عندما كنت قاضياً ) ، ( في قرى الجن ) ، ( وهكذا عرفتهم ) واولاد الخليلي و"موسوعة العتبات المقدسة" .
دور الخليلي في توثيق تاريخ القصة العراقية
نستطيع ان نتحدث وباصرار ان الخليلي كان له دور بارز في توثيق تاريخ القصة العراقي وروادها امثال
محمود السيد، وعبد المجيد لطفي ،وآدمون صبري، لقد استحق الخليلي وبما بذله من مجهود في توطيد مملكة الثقافة والادب ان ينــال الكثير من التقدير والدراسات ومنــهم الباحـــث الاميركي ( جون توماس هامل ) ففــي دراســــة ( جعفر الخليلي والقصة العراقية الحديثة ) والتي ينال فيها شهادة الدكتوراه في الدراسات النقدية يؤكد على اهتمام الباحثين بنتاج الخليلي كونه يشكل اطلالة مهمة للولوج الى مدخل الثقافة العراقية المبكرة وممن اسهموا في التمجيد بدوره الريادي في المنظومة البنيوية الادبية - وديع فلسطين - والدكتور صفاء خلوصي في معرض حديثة عن كتاب جعفر الخليلي الموسوم (العرب واليهود في التاريخ ) يفخر الكاتب ( عجاج نويهص) بنتاج الخليلي هذا قائلاً ( انه لعمل عظيم جداً ساعة مولده وساعة تعدد طبعاته وساعة تلخيصه(
وهناك اهمية قصوى لتقييم لناقد المصري الكبير ( بدوي طبابة) في معرض حديثة عن جعفر الخليلي وكتابه هذا (... ان هذا الكتاب الرائع الرائع الذي يعرض قضيتنا مع اليهود عرضاً امناً بحججه الدامغة وادلته الواضحة وبراهينه الاكيدة خير ما قرأت من الكتب في هذا الباب(.
ذات مرة قرأت في احدى اعداد جريدة البلاد الصادرة في اوائل الخمسينيات اطلعت عليها في دار الوثائق العراقية اعتراف للقاص العراقي الرائع ( ادمون صبري ) "لقد تعلمت من جعفر الخليلي كيف اكون قاصاً فقد كان سيد هذا المجال بلا منازع ".
واخيراً في معرض التقييم العام لقصص جعفر الخليلي : بانها امتازت بالنفس القصير وكونها تميل الى السردية والمباشر واعتقد ان هذا لا يعيب القاص لأن فن القصة في الوقت الذي باشر فيه الخليلي كتابة القصة كان الفن القصصي في العراق في مراحله الاولى وهذا الفن كان يتوجه الى القارئ في العراق بالدرجة الاولى ولا ننسى ان مستوى الوعي الثقافي العراقي والاجتماعي في تلك الفترة كان متدنياً ومحصورا بفئة قليلة من المثقفين هنا اراد الخليلي ان يصل كتابه الى القارئ العادي كما يصل الى المثقف عالي الثقافة هذا التقييم لا يمنع ان الخليلي قد تسلق القمة في مدارج القصة كذلك بلغها وبمستوى اعلى في مجال السيرة والتدوين التاريخي واخيراً رحل الخليلي في العام 1985 مغترباً اغترابا قسريا من نظام ظالم فكانت( دبي ) هي رحلته الاخيرة الا يستحق ( جعفر الخليلي ) نصبا باهرا في مدينة النجف او اي بقعة عراقية لهذا الشامخ متميزاً في مدائن الأدب والثقافة لهذا الخالد خلود الفراتين.
|