تفاصيل الخبر
مستقبل بريطانيا الأوروبي في يد كاميرون
2016-03-06
د.غسان العزي
من على صفحته في "تويتر" أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، مساء 19 شباط الماضي، عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، بعد مفاوضات شاقة، مع ديفيد كاميرون لمساعدته على إقناع البريطانيين بالتصويت لمصلحة البقاء في الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء المزمع إجراؤه في 23 حزيران المقبل. من جهته، رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود جانكر دافع، من غير حماسة، عن الاتفاق الذي يراعي، في رأيه، كل الحساسيات الوطنية من دون التنازل عن القيم الأوروبية الجوهرية.
كذلك عبرت انجيلا ميركل عن الرضا لأن الاتفاق متوازن، في حين طمأن الرئيس هولاند في مؤتمر صحفي بأن "ليس هناك من استثناء على القاعدة الأوروبية وحق نقض-فيتو للمملكة المتحدة على منطقة اليورو، الأمر الذي ترفضه فرنسا"، مضيفاً "أوافق على أن يكون للمملكة المتحدة مستقبلها الخاص بالمعنى النقدي والاقتصادي وحتى الاجتماعي لكني أرفض أن تمنع أو تعيق أو تكبح مسيرة منطقة اليورو".
وكان كاميرون وعد البريطانيين، خلال حملته الأخيرة، بتنظيم استفتاء حول خروجهم أو بقائهم في أوروبا، قبل أن يبعث إلى رئيس المجلس الأوروبي دونالد داسك برسالة، في تشرين الثاني 2015، يحدد فيها شروطه للبقاء في الاتحاد، وهي تتعلق بأربع مسائل أساسية: أولاً: حول حرية حركة المواطنين الأوروبيين في بريطانيا، يريد كاميرون أن ينتظر هؤلاء أربع سنوات من الإقامة في بريطانيا قبل أن يحق لهم الحصول على مساعدات اجتماعية. ثانياً: بالنسبة إلى اليورو ينبغي ألا يكون العملة الوحيدة في الاتحاد، وبذلك فإن كل سياسة تقررها الدول الأعضاء في منطقة اليورو تصبح اختيارية وليست إلزامية للدول الأعضاء الأخرى.
ثالثاً: بالنسبة إلى السوق المشتركة تريد لندن إصلاحات على حرية حركة الرساميل، وأن يخف ثقل التشريعات الأوروبية على الشركات والمشاريع.
رابعاً: في مسألة السيادة الوطنية من أجل تفادي الذهاب نحو اتحاد سياسي لا تريده لندن أراد كاميرون أن تُسحَب من المعاهدات المؤسسة للاتحاد الإشارة إلى "المضي في اتحاد أكثر فأكثر وثوقاً" مع تقوية سلطات رقابة البرلمانات الوطنية على البرلمان الأوروبي.
وبعد مفاوضات شاقة دامت يومين وليلتين، في 17 و18 شباط الماضي، مع الدول السبع وعشرين الممثلة في المجلس الأوروبي، حصل كاميرون على معظم مطالبه. فأوروبا لا تستطيع أن تخسر بريطانيا لأسباب عدة، منها أن خروجها من الاتحاد سوف يشكل سابقة قد تحذو دول أخرى حذوها، وهي إحدى الدول الكبرى الثلاث في الاتحاد، وتملك جيشاً نظامياً قوياً، فضلاً عن أنها إحدى أهم البورصات العالمية والشريك الدبلوماسي الأول للولايات المتحدة في أوروبا. إنها كارثة سياسية حقيقية، كما يتفق الخبراء رغم انقسامهم حول النتائج الاقتصادية المتوقعة للخروج (البريكست).
كذلك بالنسبة إلى بريطانيا، فخروجها من الاتحاد قد يعكر صفو العلاقة المتوترة أصلاً مع الحكومة السكوتلاندية المؤيدة للاتحاد الأوروبي والراغبة في الانفصال عن بريطانيا. خروج هذه الأخيرة من الاتحاد يمكن أن يعيد طرح مسألة الاستفتاء في سكوتلاندا حول استقلالها عن لندن.
وهكذا يمكن القول إن كاميرون حقق انتصاراً يسمح له بالتعبير عن فرحته كونه حصل على البقاء في السوق الأوروبية المشتركة، وفي الوقت نفسه على حماية السيادة الوطنية، كما أعلن مضيفاً أن "الاتحاد الأوروبي هو وسيلة حيوية لزيادة قدرات أمتنا في العالم والدفاع عن مصالحها. أصدقاؤنا خارج أوروبا مثل نيوزيلندا وأوستراليا وكندا والولايات المتحدة، يريدونا أن نبقى في الاتحاد الأوروبي، وعلينا الاستماع إليهم". ويمكن القول إنه بدأ حملته الانتخابية لإقناع ناخبيه بالتصويت لمصلحة البقاء في الاتحاد متوجهاً إليهم بالقول إنهم "سيكونون في أمان أكثر داخل اتحاد أوروبي يجري إصلاحه من البقاء وحدنا خارجه"، معتمداً على الاتفاق الذي انتزعه من الأوروبيين الذي يعطيه صورة القائد العنيد في الدفاع عن مصالح بلاده.
هل تبقى بريطانيا في الاتحاد أو تخرج منه بعد الاتفاق الأوروبي؟
منذ أكثر من عشرين عاماً تعود مسألة انتماء بريطانيا إلى الاتحاد بشكل منتظم إلى النقاش العام السياسي فتلعب على العواطف والانفعالات والمشاعر الوطنية وتقسم الحزبين الكبيرين أفقياً. هناك من يقول إن الذين يقفون ضد أوروبا بشكل مبدئي لن يغيروا رأيهم بعد الاتفاق، وهم يشكلون أغلبية، بحسب استطلاع للرأي أجراه معهد يوغوف في 5 شباط الماضي. ويقول مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس اوليفييه دوفرانس، إن الوقت لا يعمل لمصلحة أوروبا، وإن أحداً لا يدري ما ستكون عليه في نهاية هذا العام وفي العام المقبل، لذلك من الأفضل إجراء الاستفتاء البريطاني في أسرع وقت ممكن. لكن بولين شنابر، أستاذة الحضارة البريطانية المعاصرة في جامعة باريس الثالثة، تعتقد أن الاتفاق الأوروبي ليس سوى المرحلة الأولى، ولا يضمن أبداً عدم خروج بريطانيا من الاتحاد. ذلك أن الخطوة الثانية التي تنتظر كاميرون، أي إقناع الناخبين بالتصويت لمصلحة البقاء في الاتحاد، ستكون في صعوبة المفاوضات التي خاضها مع شركائه الأوروبيين. لكن المتفائلين بالاتفاق يستندون إلى استطلاع للرأي أجرته صحيفة ميل البريطانية بعد الاتفاق كشف عن ارتفاع نسبة المؤيدين للبقاء في أوروبا إلى 48% في مقابل 33% من الرافضين و19% من المترددين.
على كل باتت الكرة في ملعب كاميرون. ولا شيء مستحيلاً، على ما ترتئي أنياس الكسندر كولييه مؤلفة كتاب "لبوس كاميرون الجديد" التي تقول إن من مصلحته تسويق الاتفاق مع الأوروبيين كانتصار كبير. إنه تمرين حقيقي في مادة الاتصال السياسي، وهو موهوب فيها.