تفاصيل الخبر
نايف حواتمة بعيونٍ عراقيّة
2016-03-13
سالم الزيدي
الجزء الأخير
وذكر الراحل (أمير الحلو) (وهو أحد قياديي القوميين العرب في العراق في مرحلة الستينيات من القرن الماضي) كانَ نايف حواتمة عنصرا فاعلا في قيادة حركة القوميين العرب في العراق، وتعرض للاعتقال في نهاية عام 1962 من قبل الأمن في بغداد، ووجهت لَهُ تهمة التآمر لإسقاط الحكم بعد اكتشاف نسخة من بيان رقم (1) في الوكر الحزبي الذي كانَ يسكنه في الوزيرية مع السَيِّد (عبدالإله النصراوي) عضو قيادة الحركة في الوزيرية، إثر اكتشاف خطة حركة القوميين العرب للانقضاض على سلطة عبدالكريم قاسم، وكان من المفروض أَنْ تتم في أوّل يوم من عيد الفطر في أثناء الحفل الذي اعتادت جمعية المحاربين القدماء في بغداد على إقامته. وكانت الحركة على أهبة الاستعداد لتنفيذ الخطة، وحُدِدَ لها تأريخ 25 شباط 1963، إذ تقرر اغتيال عبدالكريم قاسم في نادي الضباط إبان استقباله للمهنئين بمناسبة عيد الفطر المبارك، ويبدو أَنَّ الحركة من خلال قياديتها قد اتصلت بمجمل الكتل القومية العسكرية في الجيش في وقت واحد، وكان (لحواتمة) الدور المهم في التخطيط والتهيئة للحركة الانقلابية. ولم تنسق حركة القوميين العرب مع حزب البعث العربيّ الاشتراكي الذي كانَ يخطط أَيْضًا لتنفيذ عملية انقلابية؛ للسيطرة على السلطة، وكان الصراع بينهما على أشده؛ لتنفيذ العملية الانقلابية ضد عبدالكريم قاسم، وترسبت معلومات للسلطة عن وجود تلك الخطط التي تزمع تنفيذها القوى القومية في العراق؛ لإسقاط الحكومة، مِمَّا دفعها لإحالة الكثير من الضباط ذوي الاتجاه القومي على التقاعد، والقيام بحملة اعتقالات واسعة شملت العسكريين والمدنيين من التيار القومي في العراق. في خضم تلك الأحداث قررت قيادة حزب البعث تغيير الموعد السابق، وتحديد يوم الجمعة الموافق 8 شباط 1963 موعدًا لتنفيذ حركتهم الانقلابية، وفعلًا نُفِذَتْ بحسب ما خُطِطَ لها.
تمكن (حواتمة) من إطلاق سراحه بنفسه من المعتقل بعد سماعه البيان الأَوّل الذي أُذيع من إذاعة بغداد، وأمرَ سجانيه بذلك، وعاد ليمارس أعماله القيادية...، ووضعت الحركة برنامجًا سياسيًا، وثقافيًا، وخطط عمل للمرحلة الجديدة التي يمر بها العراق، وقد أسست الحركة النادي الثقافي العربيّ (وهو نادٍ ثقافي اجتماعي، وقد اتخذ لَهُ مقرًا في منطقة الأعظمية)، وبدأ نشاط الحركة يتوسع ويأخذ بُعدًا في مدن العراق؛ وأكد وتوجيهاته بضرورة إقامة دولة مدنية ديمقراطية في العراق، واعتماد مبدأ المواطنة ومنح القوميات حقوقها القومية، ورفض التعصب القومي والطائفي، والإيمان بالتعددية السياسية، والالتزام بالوثيقة الأممية الصادرة عن الأمم المتحدة بشأَن حقوق الإنسان في العالم؛ مِمَّا أثارَ غضب السلطة آنذاك، وأشرفَ (حواتمة) على إصدار جريدة الوحدة عام 1963 وهي الجريدة المركزية لحركة القوميين العرب (إقليم العراق)، ورأسَ تحريرها الشهيد (باسل الكبيسي) وأصبحت صوتًا للشعب العراقيّ لمواجهة قوى الاستبداد والظلم، وعبرت في كتاباتها عن واقع النضال القومي والوطني، وأصبحت وسيلة للفعل الثقافي والإعلامي في نشر فكر الحركة، ومتابعة القضايا اليومية للمواطن، وإبراز دور الصحافة في النضال، وتعرضت (الوحدة) لضغوطاتٍ ومتاعبٍ في مُدّة صدورها، ويتذكر العاملون فيها ذلك اليوم الذي اقتحمت فيه قوات الأمن والحرس القومي مقر الجريدة في منطقة السنك، واعتداءهم الأثيم على الشهيد (باسل الكبيسي) والمحررين واعتقال مجموعة من العاملين في الجريدة، وبحثهم عن (خالد) الذي اتهموه بالتحريض ضد السلطة، وطالبوا بتسليمه، وكانت تلك العملية بسبب المقال الذي كتبه (خالد) الذي تناول فيه الوضع السياسي في العراق بطريقة تهكمية حادة وساخرة جدًا، وكاشفًا أهداف السلطة وتوجهاتها في تصفية القوى القومية والوطنية، وتنفيذ برنامج معادي لحركة التحرر العربيّ.
والذين كانوا يعملون معه في التنظيم يتذكرونه وعلاقاته مع الرفاق، وتجده دائمًا مشغولًا يتابع العمل الميداني، ويحضر اجتماعاتهم ونشاطاتهم، ويشارك في حل مشكلاتهم، ويوجههم لأجل أَنْ تأخذ الحركة دورًا متميزًا وفعالا في جميع الأحداث السياسية في العراق، وذات مرة داهمت قوات الأمن والحرس القومي النادي لاعتقاله، لكنه تمكن من الهرب واختفى لمدة في أحد الأوكار الحزبية، حتّى أُلقي القبض عليه، وأرادوا اتخاذ إجراءات شديدة بحقه؛ بسبب خطورته على الوضع السياسي في العراق، لكن تدخلات عربية وداخلية جعلتهم يوجهون لَهُ تهمة الدخول إِلى العراق من دون تصريح، ووضعه في موقف التسفيرات في منطقة (كورنيش الأعظمية) حتّى تقرر تسفيره إِلى القاهرة، فذهب الأستاذ (عبدالإله النصراوي) يرافقه (أمير الحلو) واصطحبوه إِلى مطار بغداد، إذ غادر إِلى القاهرة، وبذلك فقدت حركة القوميين العرب في العراق عنصرًا قياديًا فاعلا لَهُ أَثر كبير في تكوين (القوميين العرب) الشخصي والسياسي.
كانَ (خالد) رمزًا قوميًا تتوسم فيه شخصية القائد الثوري، ويعرف كيف يتعامل مع الواقع بإدراكٍ علميٍّ، مدافعًا عن تأريخ الأمة وحضارتها، ومواجهة الأعداء الطبقيين والمحتلين؛ من خلال الفكر والثقافة، وبناء الإنسان، ووضع برنامج للنهوض بالواقع المجتمعي، والدفاع عن الحقيقة والموقف والقرار.
(هو) نورس، عاشق، مكابر، دومًا في سلطة كُلّ الفقراء والمستضعفين، الذين يبحثون عن السعادة، والمحبة، والعطاء، ونبذ التعصب القومي، والتسلط القسري...، هو صاحب قرار، يتناغم مع الحرية، والانفتاح، والتحرر، والتطور، ويرفض الانغلاق، ودائمًا يدعو للتجدد والتنور في كُلّ زمان.
قال لي ذات مرة: يا (أبا غسان) ما زلنا نبحث عن الفردوس، وسعادة الإنسان، والحنين للوطن الذي نناضل من أجله... (خالد) ارتبط بشعوبٍ وأقوامٍ تعلم منهم، ودافعَ عن قضاياهم (كما يدافع عن قضيته) حكيم من طراز خاص، يرفض الملل والتعب، تطوقه البساطة وحب الآخرين، سلاحه العمل (الحركة بركة) وسيرة خالد (المناضل القائد نايف حواتمة) مَادّة لمشروعٍ دراميٍ، يسجل تأريخ أمة، وقضية وطن محتل، وشعب مشرد، وقوى سياسية عربية تطوقها التفرقة، وارتبط بشرفٍ بقضايا مصيرية بمستقبل الإنسان العربيّ، وعرفَ معنى الحب والحياة، والالتزام بالمسؤولية، ودفاعًا عن وطنه (فلسطين). منذ طفولته وما زال على الرغم من المعاناة التي واجهها في كُلّ الساحات العربيّة.. يبقى (نايف حواتمة) صاحب العينين الصافيتين يتملك الروح الشبابية والطموح، والمؤمن بقدسية الكلمة والإنسان، ويبقى دائمًا متجددًا ومتنورًا، ويبقى كزهرة مرسومة على راية.