تفاصيل الخبر
تفجير أنقرة.. لا استقرار في تركيا
2016-03-20
محمد نورالدين
ضرب العنف مجدداً قلب تركيا وقلب عاصمتها. التفجير الذي حصل مساء الأحد الماضي كان في الساحة الرئيسية في أنقرة..ساحة قيزيل آي (أي ساحة الهلال الأحمر). الخسائر البشرية كبيرة بلغت 37 قتيلاً والجرحى أكثر من 125.
هو التفجير الثاني في أنقرة خلال أقل من شهر. آخر تفجير حصل في 17 فبراير/شباط الماضي بانفجار سيارة يقودها انتحاري في منطقة في قلب المجمع الأمني والعسكري والسياسي في أنقرة وطال حافلتين تقلان عسكريين خارجين من وظائفهم. سقط 29 عسكرياً وجرحى بالعشرات.
لكنه التفجير الثالث في أنقرة خلال خمسة أشهر. في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي ضرب تفجير ضخم محطة القطارات حيث كان يحتشد شبان أكراد ويساريون لتنظيم مهرجان وسقط خلاله أكثر من مئة قتيل ومئات الجرحى.
لكنه أيضاً التفجير الخامس منذ العشرين من تموز الماضي عندما ضرب تفجير انتحاري تجمعاً لأكراد ويساريين كانوا يعقدون مؤتمراً صحفياً في مدينة سوروتش القريبة من الحدود مع سوريا وكانوا يستعدون للذهاب إلى مدينة عين العرب/كوباني للمساهمة في إعادة إعمارها.
في حين ضرب تفجير آخر في 13 يناير/كانون الثاني مدينة إسطنبول بل قلب منطقتها السياحية قرب جامع السلطان أحمد وقتل عشرة سائحين جميعهم من الألمان.
المحصلة أن خمسة تفجيرات ضربت تركيا منذ تموز الماضي وكلها كانت ذات خسائر بشرية كبيرة جداً.
في قراءة للتفجيرات الخمسة نجد أنها تدرجت لجهة الطرف المستهدف كما يلي:
التفجير الأول، تفجير سوروتش، استهدف أكراداً مؤيدين لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي الممثل في البرلمان بستين نائباً. وهو الحزب الذي يعتبر الامتداد السياسي لحزب العمال الكردستاني. التفجير الثاني في العاشر من تشرين الأول في محطة قطارات أنقرة استهدف أيضاً مؤيدين لحزب الشعوب الديمقراطي.
بدءا من التفجير الثالث وصولاً إلى الخامس الأخير فإن المستهدف كان واضحاً وهو مصالح الدولة التركية السياحية والعسكرية والآن المدنية.
انتقل الاستهداف من الأكراد إلى الأتراك إن جاز التعبير والتمييز على هذا الأساس.
في التفجيرين الأوليين اتهمت الدولة التركية تنظيم "داعش" بأنه وراء القيام بهما. ربما كان منفذو التفجيرين من عناصر من "داعش" لكن التنظيم لم يتبن أياً منهما حتى هذه اللحظة! وهذا كان غريباً على اعتبار أنه يسارع إلى تبني العمليات لأنها تعكس ما يعتبره قوة له.
بعد هذين التفجيرين جرت الانتخابات النيابية التركية وفاز فيها حزب العدالة والتنمية الذي عاد منفرداً إلى السلطة. أجمع المراقبون على أن التفجيرين استهدفا ترويع الناخب الكردي وكسب تأييد بعض الأصوات القومية التركية الكافية لينفرد حزب العدالة والتنمية بالسلطة من جديد.
لكن من بعدها كانت الحكومة التركية تشن هجوماً مفتوحاً عبر الجيش التركي على مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا وفي شمال العراق.
ارتبطت الهجمات بتقدم أكراد سوريا في مناطقهم. الخوف التركي من الأكراد دفعها لتسعى إلى إضعاف أكراد تركيا حتى لا يشكلون سنداً لأكراد سوريا خصوصا أن قوات الحماية الكردية في سوريا ذات تعاون مع حزب العمال الكردستاني.
الحرب التركية ضد الأكراد في جنوب شرق تركيا كما في الداخل السوري أسفرت عن إلحاق الدمار بعدد كبير من أحياء المدن الكردية في جنوب شرق البلاد وفي تهجير عشرات الآلاف من سكانها. بالطبع تقول الحكومة التركية إن المئات بل الآلاف من مقاتلي الكردستاني قد سقطوا قتلى. التفجيرات الثلاثة الأخيرة بالتأكيد ليست من عمل "داعش". فـ"داعش" لا تستهدف المصالح التركية.
تبني حزب العمال الكردستاني لتفجير أنقرة في 13 يناير/كانون الثاني الماضي يشير إلى مسؤوليته أيضاً عن تفجير أنقرة يوم الأحد الماضي.
تفجيرات تأتي في سياق طبيعي من الحرب المفتوحة التي تشنها الحكومة التركية على أكرادها. بعد ثلاثين عاماً من هذه الحرب لا يزال هناك في أنقرة من لا تزال تتملكه الفوبيا الكردية ومن لا يزال ينظر إلى الأكراد على أنهم مجرد عصاة ومتمردين لا مطالب محقة لهم والتعامل معهم لا يصح إلا بالقوة والنار. ومثل هذه السياسات لا يمكن أن تجلب لتركيا لا الاستقرار ولا السلام.