تفاصيل الخبر
الفساد يجهز على قوت الشعب!
2016-02-14
الازمة الاقتصادية الراهنة تعتبر من اخطر التحديات والمآزق التي حاقت بالبلاد، وما طاف على السطح من ارقام تتعلق بحلقات الفساد التي تدمي القلوب وما اسفر عنها من تدهور وخواء كبير في ارصدة البلاد، قد بعثت برسالة قلق وتوتر وخوف الى العاملين في اجهزة الدولة على مرتباتهم الشهرية ومصادر ارزاقهم.
ولتأكيد حجم الفساد التي تحفل به المرحلة الحالية قدرت لجنة النزاهة البرلمانية مقدار المبالغ المهربة من البلاد بحوالي 500 مليار دولار، وكشف تقرير لها عن وجود 250 مطلوبا بتهم تهريب الاموال بينهم ( 16 وزيرا ومديرا عاما) ومن بين الوزراء حازم الشعلان، ايهم السامرائي، رعد شلاش، عبد الفلاح السوداني.
ومما يزيد الأمر سوءا ان الحكومة عاجزة لحد الآن عن استرداد مبالغ طائلة من 57 ألف منتسب بوزارة الدفاع من الفضائيين، كذلك التحري عن الشبهات التي تدور حول وجود 40 الف مستفيد يتقاضون رواتب من الحماية الاجتماعية خارج دائرة الاستحقاق ولا تنطبق عليهم شروط منح الاعانات المالية.
من جهة اخرى كشفت وزارة التجارة عن وجود حوالي 814 الف من الاسماء الوهمية المتجاوزة على البطاقة التموينية دون محاولات جادة ومخلصة لازاحة هؤلاء وحماية المال العام من الهدر، مما جعل البلاد تصنف من بين أكثر البلدان فسادا في العالم التي تتنافس والصومال على احتلال المرتبة الاولى فيه.
الظروف الاقتصادية التي يكتوي المواطن بنارها والناجمة عن استشراء الفساد والسياسات الفاشلة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003، والانهيار المريع في اسعار النفط وانغلاق افق المستقبل بالسواد، كلها عوامل آلت الى تنامي مشاعر الخوف والرعب لدى المواطن على قوته اليومي.
على الرغم من اهمية لجنة النزاهة البرلمانية وكل اللجان الاخرى ذات المهام المماثلة اذا ما تم مدها بالعناصر الكفوءة والمخلصة والمشهود لها بالنزاهة والقدرات على مواجهة الفساد ومحاسبة ومقاضاة الاشخاص الضالعين والمنغمسين فيه بصرف النظر عن مواقعهم السياسية والاجتماعية، لكن يبقى نظام المحاصصة والطائفية السياسية مانعا حقيقيا بوجه اي توجه ملتزم بهذا الخصوص، ما يستدعي اولا استئصال نظام المحاصصة والتحرر من تبعاته والتزاماته اذا ما كنا جادين بالتصدي للفساد والتخلص من العملية السياسية الشوهاء التي اساءت للنظام السياسي وانحرفت به عن اغراضه ومهامه الاساسية، ولا من سبيل لانجاز ذلك الا ببناء الدولة المدنية الديمقراطية.
نظام الدولة المدنية الديمقراطية من اكثر النظم استعداداً ومقدرة على مواجهة الفساد المالي والاداري ومناجزة اسباب وعوامل ظهوره لما يمثله من تهديد حقيقي بتقويض حاضر المجتمعات الحديثة وتدمير مرتكزات مستقبلها، وما لم يتم تدارك مخاطره واحتواء تداعياته والعمل على اجتثاث جذوره فان المجتمعات ذاهبة الى اوخم العواقب.
لكون اشاعة قيم الفساد المالي واحتدام مخاطره في العراق يمثل عائقا حقيقيا لقيام الدولة المدنية الديمقراطية، يغدو لا مناص من مواجهته بممارسة وطنية شاملة تتبناها كل القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية المؤمنة بقيام الدولة المدنية الديمقراطية، باعتماد خطوات فعالة وعملية للحد منه، تمهيدا لتصفيته واستئصال جذوره على ان تتسم الخطوات بالاخلاص والجدية واحباط مساعي الفاسدين من التستر وراء قوى واحزاب سياسية واجتماعية فاعلة ورفع اغطية الحماية عنهم. كما ينبغي ابتكار وسائل واساليب مستحدثة للتصدي للفساد تتناسب وما بلغه من مستويات متقدمة، مستفيدين من تجارب المجتمعات المتطورة بهذا الخصوص، وتعزير الدور الرقابي للاعلام ومنظمات المجتمع المدني لفضح الممارسات والافعال المتسمة بالفساد وحث السلطة القضائية على استحداث قوانين وادوات مناسبة وخلق ما يلزم من ضوابط وإجراءات تحبط عمليات استباحة المال العام ونهبه.