تفاصيل الخبر
وهمُ البطالة!!
2016-03-06
سعد تركي
يَشكو كثيرون من وجود بطالة في بلدٍ لا تَحتاجُ فيه للحصولِ على أيّة مهنةٍ أو حرفةٍ إلاّ على بعض الشطارةِ وقليلٍ من الجرأة. الجوُّ الديمقراطي الذي نعيشه، والحريّةُ الواسعةُ التي نتنفسها يمنحان المرءَ فرصاً لا يمكنها أن تخطرَ على بالِ أيّ مواطنٍ في بلد آخر. الشطّار والنشيطون عرفوا ذلك منذ أمدٍ بعيد.. أدركوا أن ممارسة أيّ عمل لم تعدْ تتطلبُ الكدّ والجهدَ للحصول على مهارةِ صنعةٍ، أو سهرِ ليالٍ لنيل شهادةٍ دراسيّة لا تصلح، غالباً، إلا لتعليقها على جدارِ حائط.
الخيارُ الأسهلُ منالاً والأكثر انتشاراً هو الاستيلاء على أيّ فسحةٍ من الأرض وتحويلها كشكاً أو (بسطيّة) تمارسُ عليها البيع والشراء. كما أثبتَ الرواد الأولون من الباعة، أن ليس عليك أن تخشى قانوناً يمكنه أن يردعك أو باستطاعة أحدٍ مطالبتك بالرحيلِ طالما استوليتَ على مكانٍ خالٍ لم يسبقك إليه أحدٌ. فإن لم تستطعْ فخيارُ العمل سائقاً لسيّارة أجرة متاحٌ هو الآخر أيضاً. وهو خيارٌ لا يستلزم تمكنّك من فنّ القيادة ولا الذوق أو الأخلاق.. عليكَ فقط أن تعرفَ كيف تمسك (الاستيرن) والضغط على دواسة البنزين وإطلاق صخب (الهورن) والزعيق على زملائك السائقين!!
على العكس من خيار السياقة، يعطي العملُ بالبيع والشراء للطموحين والجسورين خياراتٍ وآفاقاً لا تخطرُ على البال. يمكنك أن تبيع أيّ شيءٍ وتتاجر بكلّ شيء. لو اخترتَ، مثلاً، المتاجرةَ بالأدويةِ فستكسب بعد مدّة قصيرة مهارة ممرض، ومنها قد تستطيع افتتاح عيادة طبيب، تصفُ العلاجَ وتصرفه للمبتلين بالأمراض، في حين ليس هناك (تدرّج وظيفي) في عمل السائق، اللهم إلاّ بالانتقال من سياقة (الستوتة) إلى (التريلة)!! وحدهم الكسالى والخاملون من يظنّون وجود بطالةٍ في البلد، طالما أن لا أحدَ سيسألك ـ لو افتتحتَ محلاً للتصليح مثلاً ـ إن كنتَ حاصلاً على شهادة أو إجازة لتصليح سيّارة أو جهاز تلفزيون. اكتساب المهارة يأتي لاحقاً بعد أن تخرّب سيّارات الآخرين وأجهزتهم الكهربائيّة!!
لا حدود للخيارات أمام الطموحين شرط امتلاك الجسارة، والعمل السياسي ليس استثناءً أبداً. كم من سياسي لا يعرف اسم الحزب الذي يمثله، ولا يفهم معنى كلمة السياسة. العملُ السياسيُّ يفتحُ أمامك أوسعَ أبوابِ الرزق وأرحبها. ومثلما لا تحتاج سياقةُ العجلة سوى الحصولِ على عجلةٍ، يستطيع أيّ عاطلٍ عن كلّ موهبة وخبرة أن يتحوّلَ بين ليلة وضحاها إلى سياسيّ مرموق. وكما أنّ (العبرية) لن يعرفوا كيف وإلى أين سيقودهم سائقٌ حين يركبون عجلته، لا يمكن لأحدٍ مرّغ أصابعه بالحبر البنفسجي إدراك أنّ مرشّحه قد قاده إلى هاويةٍ لا قعرَ لها إلاّ بعدَ فواتِ الأوان!!