لم تشر المعلومات المتسربة عن المباحثات والمداولات التي تجري بين اقطاب الحكم عن بلورة رؤية محددة تنهي حالة التقاطعات والتناقضات والتعارضات التي تنتاب مواقفهم ازاء حزمة الاصلاحات والتغييرات التي دعا اليها رئيس الوزراء لفك حالة الاختناق التي تستحكم بالاوضاع السياسية والاقتصادية والامنية، والناجمة عن تضارب وتعارض المصالح والمنافع والاهداف لمنظومة الكتل والاحزاب التي تقود العملية السياسية والتي ادت الى حالة من الانسداد السياسي الصعب.  اسفرت الاجتماعات التي عقدت بين قادة الكتل والاحزاب الممثلة بالبرلمان عن التوجه لترشيق الوزارة بدمج بعض الوزارات والاطاحة ببعض الوزراء واستبدالهم بآخرين، وتغيير رؤساء بعض الهيئات المستقلة، ما يعني الاكتفاء بتغيير حكومي جزئي، واضعين نهاية لما كان يدور من لغط وتشكيك بما طرحه رئيس الوزراء وقدرته على ترجمة طروحاته باجراء اصلاحات واسعة وعميقة لوضع نهاية لحالات التقصير والفشل المرافقة لعمل الحكومة على كافة الصعد والتصدي لقرينها الفساد المالي والاداري.

 ما يؤشر ان الازمة القائمة ليست ازمة حكومة بل هي ازمة نظام تتمثل بالعملية السياسية القائمة على المحاصصة والطائفية السياسية، والأعوام الثلاثة عشر التي خلت اكدت احقية وصف دولتنا بالدولة الفاشلة.

يتمثل فشل الدولة العراقية في ضعف امكانات مواجهة مهامها وواجباتها في حماية حدودها ومنع دخول القوات الاجنبية الى اراضيها دون موافقتها المسبقة، كما هو حاصل مع القوات التركية التي اجتازت الحدود بآلياتها ومعداتها العسكرية دون ان تعمل الحكومة شيئاً ذا فعالية لاخراجها من الاراضي العراقية، ناهيك عن اعتبار بعض رموز العملية السياسية هذه القوات بأنها جزء من قوات تحرير الموصل دون موافقة واقرار الحكومة العراقية.

على الرغم من تحرير الرمادي وصلاح الدين وديالى وما حدث من تقدم امني في هذه المدن، فان عصابات داعش لا زالت تحتل ربع مساحة العراق ولا زالت ترزح مدينة الموصل ثاني مدن العراق من حيث عدد السكان ترزح تحت احتلال وجرائم  العصابات الظلامية التي استطاعت ان تقيم دولة موازية لدولة العراق والعبث باستقرار بعض المدن واحداث اضطرابات وخروقات امنية كما في بغداد وديالى ومدن أخرى عجزت الحكومة عن التصدي لها بسد الثغرات ومنع الخروقات من خلالها. اما في الميدان الاقتصادي فان غالبية المشاريع الاقتصادية يشوبها الفساد حتى وصل الامر الى هروب بعض الوزراء خارج البلاد جراء ما اقترفوه من جرائم فساد وامعانهم في مستنقع السرقة والنهب. ومن جراء تعرض اسعار النفط الى الانهيار اصبحت واجهات الدولة مكشوفة ما عرضها الى محن وازمات ومآزق كبرى عجزت الحكومة عن احتوائها وابطال مفاعيلها، وما اقترحته الحكومة من حلول وما اتخذته من اجراءات وممارسات تقشفية وضريبية بالكاد تغطي النفقات التشغيلية على حساب الجوانب التنموية والاستثمارية.

من كل ما تقدم فأن مشكلات العراق من الكثرة والتنوع بما لا يمكن لحكومة التكنوقراط معالجتها وفتح كوة في نفق البلاد المظلم الذي انحدرت اليه ما لم تشرع  بالغاء العملية السياسية القائمة على المحاصصة والطائفية السياسية وتدشن مرحلة جديدة عابرة للمحاصصة، تمهد الطريق لبناء الدولة الوطنية التي تجمع كل العراقيين تحت خيمتها وتوفر لهم سبل التوحد والعمل والمصير المشترك وتسلحهم لحماية العراق والذود عن حياضه وابعاد شبح ما يهدد الحاضر من مخاطر وتأمين المستقبل بافق ناصع ومضيء.

الرجوع الى الصفحة السابقة    طباعة الخبر    ارسل الخبر لصديق