تفاصيل الخبر
الشائعات تلاحق شاعر القصيدتين مظفر النواب
2016-03-13
حنان عقيل
كم قد قُتِلتُ وكم قد مت عندكم/ ثم انتَفضت فزال القبرُ والكفن/ قد كان شاهدَ دَفني قَبلَ قولهمِ/ جماعة ثم ماتوا قبل مَن دفنوا" تلك الأبيات التي سطرها أبو الطيب المتنبي ربما هي التوصيف الأمثل لما يتردد بين حين وآخر عن الشاعر العراقي مظفـر النـواب، ففـي الآونـة الأخيرة ضجت وسائل التواصل الاجتمـاعي بأخبار عن تدهور الحالة الصحية للشاعر النواب بسبب إصابته بالزهايمر وعدم قدرته على الحركة وسوء وضعه المادي الراهن.
وإثر انتشار الشائعة، ناشد العديد من المثقفين الحكومة العراقية بضرورة التدخل لإنقاذ النواب من الحالة الصحية المتردية التي وصل إليها، ليثبت كذب ما تردد بعدها بأيام حين أفاد الكاتب والإعلامي كاظم غيلان بأن الشاعر مظفر النواب بصحة جيدة ومازال يقيم في الإمارات، مؤكدا أنه اتصل هاتفيا بالشخص المقرب من النواب وأكد أن ما يتردد لا يتعدّى كونه أخبارا كاذبة، تتردد من آن لآخر بشأن النواب، وأنه صاحب قضية ولا يقبل بأيّ شيء يقدّم له من الحكومات أو الأحزاب.
عاش مظفر النواب متنقلا بين العواصم العربية على مدار أربعة عقود؛ إذ غادر بغداد إلى بيروت في البـداية، ثـم إلى دمشق، وراح ينتقل بين العواصـم العربية والأوروبية، إلى أن استقـرّ بـه المقام في دمشق، ثـم أبوظبي المقيم بها في الوقت الراهن، والتي يواجه فيها عبء الشائعات المتداولة بشأن مرضه تارة وموته تارة أخرى.
ولد النواب في بغداد عام 1934، وأتمّ دراسته الجامعية في كلية الآداب ببغداد، ثم انتسب في ما بعد إلى جامعة فرنسية وسجل رسالة ماجستير كان موضوعها "باراسيكولوجي"، وتمّ تعيينه مفتشا فنيا بوزارة التربية في بغداد، وينتمي النواب بأصوله القديمة إلى عائلة النواب التي ينتهي نسبها إلى الإمام موسى الكاظم، وهي أسرة معروفة ومهتمة بالفن والأدب.
في اللحظات الاستثنائية من تاريخ الشعوب، يقف الشاعر شاهرا قلمه في وجه الاستبداد والظلم، يهجو حينا ويعلن غضبه في أحيـان أخرى، إلا أن مظفر النـواب كان يصرخ ويعلو صـراخه في وجه الأنظمـة العربيـة الاستبـداديـة، لا يخشى أن يصفهم بأقذع العبارات والألفاظ، فتبدو كلماته وكأنها خرجت للتوّ من فم سكير يحتسي غصته في حانات ضاعت فيها كل قيم العروبة، هو من يقول "اغفروا لي حزني وخمري وغضبي، وكلماتي القاسية، سيقول البعض بذيئا، لا بأس، أروني موقفا أكثر بذاءة مما نحن فيه".
السؤال الذي يتردد في أزمنة مختلفة وعلى فترات متباينة؛ أين يقع الشعر والشعراء مما يحدث في واقعهم وراهنهم العربي، وهل انصهارهم في ذلك الواقع التراجيدي والمأساوي ضرورة تفرضها عليهم التزامات أخلاقية مضمرة أم أن ديدن إبداعهم هو التحرر من كل قيد أو دور يفرض عليهم من الخارج ولا يعبر عن ذات الشاعر وما يدور في خلده؟
ذلك السؤال لم تكن له سوى إجابة واحدة لدى النواب الذي انصهر مع واقعه العربي المأساوي منذ ريعان شبابه، فاعتنق مبادئ الشيوعية، وانتمى إلى الحزب الشيوعي العراقي، وإثر اشتداد الصراع بين الشيوعيين والقوميين العرب الذين وصلوا إلى الحكم، اضطر النواب لمغادرة العراق إلى إيران في 1963، لتقوم السلطات الإيرانية بتسليمه إلى السلطة العراقية في أواخر العام ذاته ليتم سجنه، إلى أن صدر عفو عن المعارضين في العام 1969، ليعود بعدها إلى عمله في مجال التعليم.