تفاصيل الخبر
مظاهر العنف ضد المرأة وسبل الحد منه
2013-11-25
احمد العاني
لاستدراك المجتمع الدولي مقدار ما تتعرض له المرأة من ظلم وحيف استصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة ،الاعلان العالمي الداعي الى القضاء على العنف ضد المرأة في عام 1993 الذي اعتبر (ان تنفيذ اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة تنفيذا فعالا من شأنه ان يسهم في القضاء على العنف ضد المرأة ) الذي (يشكل انتهاكا لحقوق الانسان والحريات الاساسية ويعوق وينفي او يلغي تمتع المرأة بهذه الحقوق والحريات الاساسية ) وحث الاعلان العالمي المجتمع الدولي على الالتزام والسعي بالقضاء على العنف ضد المرأة.
حدد الاعلان العالمي تعبير العنف ضد المرأة (اي فعل عنيف تدفع اليه عصبية الجنس ويترتب عليه او يرجح ان يترتب عليه ،اذى او معاناة للمرأة سواء الناحية الجسمانية او الجنسية او النفسية ،بما في ذلك التهديد بافعال من هذا القبيل...) وقد شمل العنف ضد المرأة ما يرتكب في اطار الاسرة من ضرب وتعدي جنسي على اطفال الاسرة الاناث وختان الاناث وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة ،كما شمل العنف ما تتعرض له المرأة في اطار المجتمع العام (بما في ذلك الاغتصاب او التعدي الجنسي ،والمضايقة الجنسية والتخويف قي مكان العمل والاتجار بالنساء واجبارهن على البغاء ) وكذلك العنف الذي ترتكبه الدولة او تتغاضى عنه.
رحب الاعلان العالمي الداعي الى القضاء على العنف ضد المرأة (بالدور الذي تؤديه الحركات النسائية في لفت المزيد من الاهتمام الى طبيعة وصعوبة وضخامة مشكلة العنف ضد المرأة )الذي يثير جزع الجمعية العامة للامم المتحدة لان (الفرص المفتوحة امام النساء لتحقيق المساواة القانونية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع هي فرص يحد منها ) ،والعنف هو مظهر لعلاقات غير متكافئة بين الرجل والمرأة ادى الى هيمنة الرجل على المرأة وممارسة التمييز ضدها.
العنف ضد المرأة لم يكن وليد العصر الحالي ولم يقتصر على عصر او مكان او زمان او مجتمع محدد ،اذ مورس العنف ضد المرأة في جميع العصور والمجتمعات الانسانية على اختلاف انظمتها السياسية والاجتماعية بصرف النظر عما بلغته من رقي وتقدم وتطور حضاري وثقافي ،وان كانت المجتمعات الاكثر تطورا يمارس فيها العنف اقل مما هو عليه في المجتمعات المتأخرة والمتخلفة التي غالبا ما تكون اسيرة القيم والعادات والاعراف التي تحط من كرامة المرأة ومكانتها في المجتمع وتتفاقم فيها ظاهرة العنف الموجه للمرأة، على الرغم من صدور اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة التي دعت الى (اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب اي شخص او منظمة اومؤسسة )لازالت المرأة تعاني في الكثير من دول العالم من الاختلال في المعايير الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الممارسة تجاهها ، اذ لازال ضعف الوعي باهمية المرأة ومكانتها وحقوقها الانسانية يقف عائقا امام تشريع القوانين الحازمة التي تحجم الاعتداء وممارسة العنف ضدها او التقليل من نسبته، كما ان بعض العادات والموروثات الاجتماعية ذات النظرة الدونية للمرأة في بعض المجتمعات اباحت العنف تجاهها واقرته.
تقف السلطات القانونية في الكثير من دول العالم عاجزة عن اتخاذ ما يقتضي من اجراءات للقضاء على ثقافة العنف ضد المرأة او الحد منه ،والذي لم يقتصر على العنف الجسدي بل تعداه الى حرمان البنات من التعلم وتغييب حق المرأة بالمساواة مع الرجل في الحرية والامن الشخصي ،وطال العنف نساء كل شرائح المجتمع بصرف النظر عن المستويات الاقتصادية اوالثقافية او التعليمية او الاجتماعية.
ان قرار الجمعية العامة للامم المتحدة بتخصيص يوم الخامس والعشرين من تشرين الثاني من كل عام لتذكير المجتمع بمسؤوليته بالقضاء على العنف ضد المرأة ،ذات دلالات وابعاد شديدة الاهمية بالحث الى تعبئة الرأي العام العالمي للتصدي ومناهضة مظاهر العنف تجاه المرأة من قبل الدولة والمجتمع والافراد وضرورة تنمية وتعميق وتوسيع دائرة الوعي ضد الممارسة المدانة ومواجهة التمييز على اساس الجنس.
كون ظاهرة العنف ضد المرأة (سواء في الاسرة او في المجتمع ظاهرة منتشرة وتتخطى حدود الدخل والطبقة والثقافة ) ينبغي ان يقابلها خطوات عاجلة وفعالة تمنع حدوثه بان تبادر الجمعية العامة للامم المتحدة بوضع اطار لصك دولي يتناول قضية العنف ضد المرأة ليكون عونا للدور الذي تؤديه الحركات النسائية التي تتولى مهمة لفت المزيد من الاهتمام الى طبيعة وصعوبة وضمان مشكلة العنف ضد المرأة ، وتأكيد الحاجة الى وضع الحقوق التي يتعين تطبيقها لتأمين القضاء على العنف بجميع اشكاله والزام الدولة والمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياتهما بالسعي الى القضاء على العنف بتطوير القوانين والتشريعات الدولية والوطنية المتصلة بالمرأة بما يمنحها الحصانة تجاه ما تتعرض له حقوقها ويدرأ عنها كل انواع العنف الذي يمارس عليها.
ان الدول ينبغي ان لا تقتصر مهامها على ادانة ما يمارس من عنف تجاه المرأة في المجتمع متذرعة بالاعراف والتقاليد او الاعتبارات الدينية للتنصل من مسؤولياتها والتزاماتها تجاه حماية المرأة مما تتعرض له من عنف ،بل يتعين ان تتبع كل الوسائل الممكنة التي تستهدف مواجهة العنف ضد المرأة وان تقوم بعدد من الخطوات الهامة بهذا الشأن ، ومن اولوياتها التصديق على اتفاقية القضاء على جميع اشكال العنف ضد المرأة اوالانضمام اليها اوسحب تحفظاتها عليها ، وان تسخر كل طاقاتها وامكاناتها للتصدي لمحاولات ممارسته والتحقيق مع مرتكبيه ومحاسبتهم وتشرع القوانين الوطنية الكفيلة بالحد من هذه الظاهرة سواء ارتكبت هذه الافعال من قبل اجهزة الدولة او الافراد، ينبغي ان تدرج الدول في القوانين والتشريعات التي تصدرها بهذا الشأن جزاءات جنائية او مدنية بحق من يصيبون النساء بالاضرار وايقاع العنف عليهن ، وان تؤمن لهن تعويضا عن الاضرار وان تمنح فرص الوصول الى آليات العدالة امام النساء اللواتي يتعرضن للعنف ،ونشر ثقافة اعلام النساء بما لهن من حقوق والتماس التعويض جراء ما يتعرضن له من اضرار ، وان تتولى الدولة وضع الخطط الوطنية لتعزيز سبل حماية المرأة من جميع اشكال العنف وان تدرج الاحكام لهذا الغرض ،وان لا تغفل العون الذي تقدمه المنظمات غير الحكومية المدنية بمسألة العنف ضد المرأة.
ان تبادر الدول لصياغة التدابير القانونية والسياسية والادارية والثقافية التي تعزز حماية المرأة وتكفل الا يتكرر ايذائها لسبب وجود قوانين وممارسات انفاذية واشكال تدخل اخرى لا تراعي نوع الجنس ، وان تقدم الى النساء اللواتي يتعرضن للعنف مساعدات متخصصة كاعادة التأهيل والمساعدة على رعاية الاطفال واعالتهم والعلاج والمشورة والخدمات الصحية والاجتماعية واتخاذ ما يقتضي من تدابير لتعزيز سلامتهن في المجالين البدني والنفسي، الدولة ملزمة باتخاذ التدابير المناسبة وبخاصة في ميدان التعليم لتعديل انماط السلوك الاجتماعي والثقافي للرجل والمرأة لازالة التحيز والممارسات التقليدية المستندة الى دونية اي من الجنسين او تفوقه ، وان تشجع الابحاث وجمع البيانات والاحصاءات عن مدى تفشي العنف وتشجع الابحاث التي تتناول اسبابه وطبيعته وخطورته وتبعاته ودراسة مدى فعالية التدابير المتخذة لدرئه.
ان تعترف الدولة بالدور الذي تؤديه الحركات النسائية والمنظمات غير الحكومية في كافة انحاء العالم في رفع درجة الوعي والتخفيف من حدة مسألة العنف وتسهل وتساند عمل هذه المنظمات وتتعاون معها على المستويات الوطنية والاقليمية والدولية على النهوض بمسؤولياتها بالدفاع عن المرأة.
ينبغي ايجاد آليات عمل في مجال نشر مفاهيم حقوق الانسان ودعم وتطوير الحركات النسائية التي تتولى الدفاع عن حقوق المرأة وحث الاعلام بكافة وسائله على مناصرة قضايا المرأة ودعم مطاليبها واستحقاقاتها في ممارسة حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون تمايز ، واخذ زمام المبادرة لتعديل كل القوانين والتشريعات التي تنقص من حقوقها او تلغي معالم شخصيتها او مكانتها ، وان تترجم كل القرارات والتوصيات والصكوك الدولية الصادرة من المجتمع الدولي بخصوص المرأة.