تفاصيل الخبر
نقطة ضوء فلسطينية وسط الظلام
2014-10-26
جلال عارف
بعد يومين من المؤتمر الناجح الذي شهدته القاهرة لإعادة إعمار غزة، جاءت الخطوة المهمة بقرار مجلس العموم البريطاني الاعتراف بدولة فلسطين، ورغم أنه قرار غير ملزم للحكومة البريطانية إلا أنه يمثل - بكل تأكيد - تطوراً بالغ الأهمية وبداية تصحيح لأخطاء السياسة البريطانية تجاه القضية الفلسطينية منذ وعد بلفور المشؤوم، والحقيقة أن النجاح الحقيقي لمؤتمر إعمار غزة، لم يكن في الحصول على تعهدات بتقديم 5.4 مليارات دولار للشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية.
ولكن النجاح الأهم كان في استعادة الطريق الصحيح في التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية شعب ما زال تحت الاحتلال الصهيوني وممارساته النازية، وقضية دولة فلسطينية آن لها أن تتحرر وتستقل ويحصل أبناؤها على حقوقهم المشروعة وأرضهم المنهوبة وحريتهم التي ما زال العالم عاجزاً على ضمانها إزاء آخر استعمار عنصري على وجه الأرض. كان هذا هو جوهر الرؤية التي قدمها الرئيسان الفلسطيني والمصري.
ولا شك في أن بشاعة العدوان الإسرائيلي المتكرر كان عاملاً مهماً هز ضمير العالم. ولا شك أيضاً في أن انحياز أميركا وحلفائها الغربيين لإسرائيل قد أصبح يثقل ضمائر الشعوب الغربية. ولا شك أيضاً في أن تمدد الإرهاب والشعور بالخطر الحقيقي داخل أوروبا كان عاملاً مهماً في تعديل المواقف من فلسطين.
لكن عاملاً أساسياً آخر ينبغي ألا يغيب عن أنظارنا، وهو أنه لولا ما جرى في مصر بإسقاط حكم الإخوان الفاشي في 30 يونيو، ثم الدعم العربي الذي قادته الإمارات والسعودية لمساندة شعب مصر.
لولا ذلك لكنا الآن أمام مشهد آخر في مخطط "تصفية" القضية الفلسطينية الذي كان يجري على قدم وساق، والذي كان "تمكين" الإخوان من حكم مصر جزءاً منه.
حيث كان الطريق يمهد - وسط حالة الفوضى التي تعيشها المنطقة - لحل كان الرئيس الأميركي أوباما يتصور أنه سيدخل التاريخ، وكان حكام إسرائيل يساندونه لأنه لم يكن "حلاً" للصراع، بل "تصفية" للقضية، وكان الإخوان وحلفاؤهم سعداء به لأنه يمنحهم الدعم الأميركي وبركات "الأصدقاء الأعزاء" في إسرائيل كما أسماهم المعزول..
كما كان يمنحهم "إمارة" يسمونها في غزة مع توسيعها على حساب سيناء، ويلحق ما تبقى من الضفة مع الأردن، ويتصور أنه بذلك يشطب "فلسطين" من الجغرافيا والتاريخ.. ومن ذاكرة الشعوب!
بعد 30 يونيو، وبعد سقوط حكم الإخوان في مصر، وبعد المساندة العربية التي قادتها السعودية والإمارات لشعب مصر، ومع افتضاح المؤامرة بكل أبعادها، تغيرت الأوضاع وعاد الصوت العربي المقاوم لكل هذه المخططات.
ورغم ما نراه من مظاهر التدهور ومخاطر الانجرار إلى مستنقع الحروب الطائفية والانقسام المذهبي والإرهاب الذي جاوز كل الحدود.. فإن التطورات الأخيرة على الصعيد الفلسطيني تفتح بوابة للأمل. وأرجو ألا تصدمك كلمة "الأمل" وسط كل الضباب الذي يعيش فيه عالمنا العربي.
الآن.. سقط مخطط "تصفية" القضية الفلسطينية. وكل الضغوط التي مورست على مصر بعد 30 يونيو فشلت في تحقيق أي هدف لها. وكل المحاولات لضرب تحالف مصر مع السعودية والإمارات في مواجهة الإرهاب لم تنجح ومع سقوط حكم الإخوان في مصر، سقطت أوهام الإمارة "الإسلامية" في غزة وسيناء، وعادت "فلسطين" لتكون العنوان.
أصبحت الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس العربية مطلباً تلتف حوله شعوب العالم وحكوماتها. إنقاذ مصر واستعادة "الدولة الفلسطينية" كمطلب أساسي تلفت حوله الآن شعوب العالم تمثلان نقطة ضوء في الظلام المحيط بنا.
وتجسدان الطريق للخروج من الأزمة، وتفرضنا علينا أن نعيد النظر في أولوياتنا وأن نحدد أهدافنا بدقة، حيث لا مجال لتبديد قدراتنا أو استنزاف جهدنا فيما لا يحقق المصلحة العربية ويحفظ الأمن القومي. الحفاظ على التحالف بين مصر والسعودية والإمارات أمر بالغ الأهمية في هذه الظروف، وتطوير التحالف وترسيخ أركانه هو المدخل لتكوين حائط صد عربي ضد الهجمة الشرسة التي يتعرض لها العالم العربي..
سواء من قوى الإرهاب، أو من القوى التي تريد أن تمد نفوذها في المنطقة علي حساب العرب. ولا بد من التأكيد هنا على أن خلاص مصر من قبضة الإرهاب الإخواني لم يكن سهلاً، وما زالت المؤامرات مستمرة من الانطلاق، ولمحاولة تعطيل التحالف الذي يجمعها مع الإمارات والسعودية. خصوصاً أن الاعداء يدركون المعنى الحقيقي للتأكيد على حقيقة أن أمن مصر يبدأ من الخليج.. والعكس صحيح.
إن استئصال ما تبقى من جماعات الإرهاب في سيناء ضرورة مصرية، ومنع ليبيا من أن تتحول إلى مركز لنشر الإرهاب في المنطقة هو ضرورة أمن قومي، وكذلك الأمر فيما يتعلق باليمن العزيز الذي لا يمكن تركه يغرق في صراع مدمر تقوده إليه جماعات التكفير والإرهاب، ولا يمكن أن يتحول إلى ساحة لقوى خارجية تريد السيطرة على باب المندب وتهديد أمن المنطقة بأكملها.
ولا أظن أننا سنضيف جديداً بتكرار ما قلناه مراراً حول ضرورة وجود رؤية عربية للتعامل مع الأوضاع في العراق وسوريا تحافظ في النهاية على وحدة القطرين العربيين.
المهمة صعبة.. ولكننا - رغم كل شيء - نستطيع