تفاصيل الخبر
الرائد خليل شوقي في ذمة الخلود … الأسرة الفنية العراقية تودّع قادر بيك
2015-04-12
فائز جواد
تلقت الاوساط الثقافية والفنية في العراق والوطن العربي نبأ رحيل الفنان الكبير خليل شوقي عن عمر نهاز 91 عاماً في هولندا، وتناقلت مواقع الانترنت كافة نبأ رحيل شوقي الذي كان ولغاية ايامه الاخيرة يتمتع بصحة جيدة ويشارك في كافة الملتقيات ويحرص على حضور الفعاليات الفنية والثقافية في كافة بلدان العالم . خيم الحزن على الاوساط الفنية وخاصة بين زملائه من الفنانين الرواد وتلامذته والذين عاصروه في دوائر السينما والمسرح ودائرة الاذاعة والتلفزيون الذي عمل فيها مخرجا وممثلا واداريا وسجل حضوراً رائعاً من خلال اعماله الدرامية التي جسد فيها دور البطولة ومازال دور عبد القادر بيك في مسلسلي الذئب وعيون المدينة والنسر وعيون المدينة في قلوب الجمهور العراقي ومازالت صورته لا تفارق كل من تابع 60 حلقة تلفزيونية كان الراحل بطلها باستحقاق وجدارة.
نعم كبير أنت في كل شيء، في عطائك الثر، نبلك، وإنسانيتك، وجمال روحك، كبير أنت في كل شيء، في مؤلفاتك وتمثيلك واخراجك. وأعوامك التي قضيتها كانت حافلة بالإبداع، كلما قلبنا صفحاتها المشرقة تبزغ روحك الخلاقة، تفوح برائحة الجمال والإبداع وعشق الوطن.
بكل تأكيد ويقينا أحببناك ممثلا ومخرجا ومؤلفا، وعشقنا أدوارك في التلفزيون والاذاعة والمسرح والسينما، وحفظنا مقاطع لا تحصى منها، وحفظنا أسماءها، وطريقة أدائك المميزة، وصوتك الدافئ البغدادي الجميل، وتلقائية أدائك المميز في كل شيء. ولعل ستديوهات الاذاعة والتلفزيون خير شاهداً على ابداعاتك وكذلك مسرح بغداد ومع زينب، ناهدة الرماح، يوسف العاني، سامي عبدالحميد، فاضل خليل، والقائمة تطول هو الاخر خشبته اكبر شاهد عيان على ما قدمته من اعمال مسرحية كبيرة.. نعم اليوم ترحل ونودعك استاذا وفنانا وانسانا كبيرا..
الاعلامي مازن المعموري كتب قبل اكثر من عام وفي تصريحات صحفية اسطرا يقول فيها:
صورة الفنان خليل شوقي لا يمكن أن تفارق ذاكرة الإنسان العراقي رغم كل الرجات الجسيمة التي تتعرض لها ذاكرة المجتمع, الحرب التي تدق طبولها كل يوم على عتبات أيامنا, ما زال الفنان الكبير خليل شوقي وهو يعيش في مدينة لاهاي الهولندية، يدق أبواب عراقه وأحبابه عن عمر ناهز التسعين, يحدق بعينين جاحظتين لتاريخ عميق بدأ مع فيلم من المسؤول؟ عام 1956 ولم ينته عند حدود روح ترفرف على شغاف قلب أتعبته المحبة لفن المسرح والحياة, ومن هناك يلوح بيدين حانيتين على بلد تأكله نار الفتن والطوائف عسى أن يمطر الله غيث السلام عليه ذات يوم ) ويضيف (عندما أتحدث عن خليل شوقي فانا أشير إلى عصر التنوير العراقي للثقافة والفنون والحياة المدنية التي امتدت من نشوء الدولة العراقية وحتى انهزامها مع صعود الدكتاتورية, تلك الفترة الذهبية لميلاد أعلام الثقافة والفنون بكل تجلياتها, وبالذات منذ تأسيس التلفزيون العراقي عام 1956, حيث عمل فيه مخرجا وممثلا, وكتب أول تمثيلية عراقية للتلفزيون، وهي ثاني تمثيلية تقدم من تلفزيون بغداد ولكنها أول تمثيلية تكتب خصيصا للتلفزيون, ولعل أبرز أدواره التلفزيونية دور (قادر بك) في مسلسلي الذئب وعيون المدينة والنسر وعيون المدينة الذين كتبهما عادل كاظم وأخرجهما الراحل إبراهيم عبد الجليل, ومن أدواره أيضا دور أبو جميل في مسلسل جذور وأغصان الذي كتبه, عبد الوهاب الدايني وأخرجه عبد الهادي مبارك، ودور عناد في مسلسل صابر ودور صادق في مسلسل الكنز، والمسلسلان من تأليف، عبد الباري العبودي وإخراج حسين التكريتي, وأدى دور أبو شيماء في مسلسل بيت الحبايب الذي كتبه عبد الباري العبودي وأخرجه حسن حسني، والقائمة تطول, لما لهذا العلم الكبير من سيرة مشرفة ونشاط منقطع النظير.
ينفتح المسرح على توجهات غزيرة لجيل الرواد, وكان خيار خليل شوقي منصبا على الارتباط بالواقع العراقي, كنسق ثقافي رسخته الثقافة اليسارية التحديثية منذ خمسينات القرن المنصرم على يد روادها من مصر الى لبنان وحتى العراق تلك الحواضر الحضارية التنويرية للعالم العربي, وانشغل الجميع بالخطابات الهوياتية للفن, فكانت فرقة الفن الحديث محاولة للتضاد مع السلطة الدكتاتورية, إذ يشير فاضل السوداني في مقالاته الى ان الفرقة كانت تعاني من الكثير من العوائق القصدية مثل عدم تأجير مسرح الفرقة القومية وقطع الكهرباء اثناء العرض, وأشياء كثيرة اخرى لدرجة ان الوزير طارق عزيز ارسل رجاله في عرض مسرحية الجومة ليقول لهم اذا قدمتم هذا العرض فسيأتي الشباب!! ليهدموا المسرح على رؤوسكم لا لشيء الا لأنها كانت مهادا للخطاب الفني المضاد, وهو تشريف لسيرة مجموعة الفنانين الذين اشتركوا في اعمال الفرقة, كما هو تشريف لمسيرة الفنان العراقي بشكل عام.
ينتمي خليل شوقي إلى طائفة من الممثلين الأثيرين على قلب المشاهد، ممثل يتمتع بعبقرية لها طعم خاص يترك أثرا في النفس، حين تشاهده تشعر وكأنك قرأت كتابا ممتعا، فعند هذا الفنان قدرة عجيبة على تشرب الثقافة والحياة الكامنة خلف هذه الثقافة، فعندما يقف الخال على خشبة المسرح يكون عقله وقلبه وأعصابه اجزاء من الأداء، فيعطي كل ما عنده في البروفة والعرض المسرحي فتراه عندما يبكي على المسرح هو الذي يبكي وعندما يضحك هو الذي يضحك وعندما يبدأ الشخصية لم يكن يتوارى خلفها وإنما يقف بالند منها، كتب ستانسلافسكي مرة: إن على الممثل أن يكون مخرجا لدوره وهو لم يقصد بالطبع أن يضع الممثل مكان المخرج بل أراد التحدث عن أهمية المبادرة عند الممثل وعن رؤيته الواسعة ودرجة مهارته، وهكذا كان خليل شوقي في معظم أدواره، ذكياً يعرف ما يفعل، انه لا يؤدي الدور وحسب بل يقوم بتفسيره والتعبير عن وجهة نظره اتجاه الأشياء والشخصية التي يؤديها ويمكنك مشاهدته منفردا وحده، فتستمتع وكأنك تشاهد مسرحية بطلها ممثل واحد ولكن بنفس الوقت تراه يخضع بحكمة وهدوء للعمل المسرحي الكلي، في المسرح والتلفزيون يتصرف خليل شوقي كأنه شخصية من شخصيات ألف ليلة وليلة الخارجة من حضن الأحلام بسدارة بغدادية أو يشماغ جنوبي وابتسامة محببة إلى النفس فيخطف قلوب وأبصار المتفرجين.