تفاصيل الخبر
ربيع القشرة ينجب فرانكشتاين العرب
2014-09-08
فيصل جلول
انطلق ما يسمى "الربيع العربي" قبل أربع سنوات بمطالب سوسيو اجتماعية تركزت على حسن الحوكمة. وكان منظموه يعترضون على الفساد وطول بقاء الحكام في السلطة وتكميم الأفواه.
وترددت جمل الديمقراطية في كل مكان، حتى صارت الكلمة محملة بوعود سحرية بل عنواناً لحل كل المشاكل التي يعانيها العرب منها في كل مكان وعلى كل صعيد وفي كل مجال.
لم يحمل "الربيع العربي" شعارات قومية رغم سحر الوصف وإيحائه بأن ما يجري هو حراك متشابه لأوضاع متشابهة إلا من باب سلبي اتهامي، فقيل إن الحكام العرب فشلوا في تحرير فلسطين واستعاضوا عن فشلهم باستخدام القضية الفلسطينية كشماعة لسياسات القمع والإفقار وتوريث الحكم. وبدا من جهة ثانية أن وصف الربيع بالعربي ينطوي على تمويه أدوار الإخوان المسلمين، القوة الضاربة فيه والمعروفة منذ تأسيسها بشعاراتها التي تنص على بناء عالم إسلامي متعدد الأعراق والقوميات تقوده دولة مركزية على غرار الخلافة العباسية أو الأموية إن لم تكن على هيئة الخلافة الراشدة في غرة الإسلام.
ولم تتخلل "الربيع العربي" شعارات مناهضة للغرب كما هي الحال في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي حين نهض الحراك القومي العربي لمواجهة الغرب المؤيد "إسرائيل" والمسؤول عن استعمار واستيطان أراضي العرب. ولم تتجه أنظار المعنيين بالتظاهرات نحو البدائل الممكنة عن العلاقة بالغرب المتهم بتنصيب وحماية الحكام العرب لذا ما سمعنا كلاماً من نوع: اذا كان الغرب هو من نصب الحكام وهو من حماهم إذن هو شريك لهم وأن "الشعب يريد إسقاط الغرب" في شراكة الحوكمة واختيار الصين أو روسيا على المسرح الدولي كشريك بديل تماماً كما فعل جمال عبدالناصر عندما اصطدم ربيعه القومي النهضوي بالتعنت الأمريكي وبعداء المؤسسات الدولية واعتراضها على مشروعه النهضوي.
والملفت أن كلام المسؤولين الغربيين المؤيد "الربيع العربي" خلال مليونيات الشوارع في القاهرة وتونس خاصة، كان يصب في الاتجاه نفسه، والكلام المنشور للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في تعليقه على الحراك الليبي يقطع كل غموض اذ يقول ".. الربيع العربي لا يريد التصدي "إسرائيل"، وليس موجهاً ضد الغرب ويرفع اصحابه مطالب مستمدة من قيمنا، فلماذا لا ندعمه ونقدم للمعنيين به يد المساعدة". علماً أن هذا الكلام جاء بعد تأمل واختبار ومواقف مغايرة خلال التجربتين التونسية والمصرية، بل إن فرنسا كانت تريد إرسال أسلحة حديثة للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من أجل قمع المتظاهرين، وعملت بقوة على بقائه في الحكم، وفي الحالة المصرية كانت فرنسا حريصة حتى آخر يوم من حكم مبارك على انقاذه من السقوط إلى أن انتقلت في الحالة الليبية إلى النقيض تماماً بل إلى الاشتراك الفعلي في صناعة "الربيع العربي" في نسخته الليبية إلى حد استدراج قوة الحلف الاطلسي النارية العملاقة لنصرة "الثوار الليبيين".
ولم تكن صفة العربي في هذا الربيع رمزاً لوعود اقتصادية عربية تشترك فيها الحكومات المنبثقة عن هذا الحراك الشعبي الكبير، لذا لم نسمع شعارات ولم نقرأ دعوات تتحدث عن بناء نهضة اقتصادية عربية، أو مشروع سوق مشتركة تتجمع فيها جهود الثوار. ولم يناقش "الثوريون" مسائل من نوع السوق العربية المشتركة، ولم نلاحظ دعوات منهم للتشبه بالمشروع الأوروبي، الأمر الذي يؤكد أن حركتهم كانت قاصرة على معادلة "الشعب يريد إسقاط الرئيس" بوصفه المشكلة وعلى الديمقراطية بوصفها الحل. هذا في الظاهر أما في خلفية المشهد، فالطموح الإخواني كان يتناسب مع عقيدة حسن البنا التأسيسية أي إنشاء خلافة عابرة للقوميات كبديل عن الخلافة التي قادها سلاطين بني عثمان وأسقطها مصطفى كمال أتاتورك في عام 1923 .
ما من شك في أن شركاء الإخوان المسلمين في "الربيع العربي" قد لعبوا أدوراً لا يستهان بها في تأطير وتعبئة الناس والدفع بهم نحو ساحات التظاهر والاعتصام وخاصة الليبراليين وبعض القوميين والاشتراكيين ودعاة حقوق الإنسان.
واذا كان المسؤولون في الغرب قد دعموا ثورة الربيع العربي لأنها تحمل قيماً غربية ولا تتصدى "إسرائيل" فإن تركيا حليفة الإخوان المسلمين ما كانت تخشى من نزعة الثوار القومية وبالتالي وفرت لهم الدعم المناسب لقناعتها بأن خطر القومية العربية هو في مستوى الصفر، الأمر الذي لا يدعو إلى إيقاظ المخاوف التركية التقليدية من القومية العربية.
يفضي ما تقدم إلى خلاصة مفادها أن "الربيع العربي" كان عربياً بالمعنى السطحي للكلمة من دون أن ترتب عليه عروبته التزامات تذكر، ولعل التسمية اعتمدت فقط لتشبيه سياسات الحكام المعنيين ببعضها وللحديث عن وجوب إسقاطهم جميعاً من دون أن يترتب على إسقاط مشروع قومي مختلف. وهذا في أفضل التوقعات تفاؤلا أما أسوأها فهو ما نراه اليوم بأم العين من تقتيل وذبح ودمار وفوضى أطاحت وقد تطيح بوحدة البلدان وسلامها الاجتماعي. ولو أردنا التوغل أكثر في هذه الخلاصة لقلنا أن الربيع العربي كان ولا يزال مشروعاً مضراً بالعرب وبفضائهم، وذلك ليس لأن الحكام الذين ثار الناس عليهم غير جديرين بالتغيير، وإنما لكون الحراك الذي تم قد استخدم كمشروع حق في معرض الباطل، وثمة من حرفه بعيداً عن هدفه وعن شروطه وطموحات الناس الذين ضحوا لبناء عالم عربي أفضل يعيش فيه الناس أحراراً مرفوعي الرؤوس، ويحصلون من خلاله على ربيعهم الاجتماعي والأدبي والاقتصادي والسياسي، أي على تغيير عالمهم.
أغلب الظن أن شهيد الربيع الأول البوعزيزي التونسي ربما كان صرف النظر عن تضحيته بنفسه لو كان يعلم أن موته كان إحياء لسلالة فرانكشتين ممن يظنون ان الله لم يهد أحداً سواهم.