تفاصيل الخبر
حـدود مـحـاربـة “داعـش”
2014-09-29
غاريث إيفانز
لقد عانى الشرق الأوسط لفترة طويلة التصورات الخاطئة والتدخلات العسكرية الأجنبية البعيدة المدى والأثر، ومن المأمول ألا يكون قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشن حرب ضد تنظيم "داعش" مجرد تدخل عسكري آخر . الحق أنه لا توجد جماعة إرهابية على الإطلاق تستحق التدمير الصريح أكثر من هؤلاء "الجهاديين" النهابين الذين يمارسون الإبادة الجماعية. ولكن وفقاً لتصور ووصف المهمة التي تقودها الولايات المتحدة حالياً، فليس من الواضح ما إذا كانت أهدافها قابلة للتحقيق بتكاليف معقولة من حيث الوقت والمال والأرواح.
والمشكلة الأساسية هنا هي أن المكاسب التي حققها تنظيم "داعش" على الأرض يُنظَر إليها من ثلاث وجهات نظر متباينة تماماً، وتتطلب ثلاثة أنماط مختلفة من الاستجابات العملياتية . فهناك المهمة الإنسانية المتمثلة في حماية السكان المدنيين في العراق وسوريا من فظائع الجرائم الجماعية. وهناك الحاجة إلى حماية مواطني البلدان الأخرى من إرهاب تنظيم "داعش". وهناك الرغبة في استعادة سلامة أراضي الدول والاستقرار في المنطقة.
والواقع أن خطاب أوباما وشريكه الأكثر تحمساً حتى الآن، رئيس الوزراء الأسترالي توني آبوت، كان متردداً بين الهدفين الأولين وألمح إلى الثالث، الأمر الذي أدى إلى صعود الآمال والتوقعات بملاحقة الأهداف الثلاثة بفاعلية. ولكن المهمة الإنسانية فقط لديها فرصة واقعية لتحقيق الغرض منها من خلال الاستراتيجية الرباعية المطروحة الآن على الطاولة: توجيه ضربات جوية ضد قوات تنظيم "داعش"، وتدريب وتجهيز القوات العراقية والكردية بالمعدات وتزويدها بالمعلومات الاستخباراتية، وأيضاً قوات المعارضة السورية غير المتطرفة، وتكثيف الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، وتسليم المساعدات الإنسانية إلى المدنيين النازحين.
ومن الواضح أن العمليات العسكرية التي يقودها الغرب من غير الممكن أن تكون كافية في حد ذاتها لإعادة ترسيخ وحدة أراضي العراق أو سوريا، أو استعادة الاستقرار الإقليمي الأوسع نطاقاً. وقد يساعد التدخل العسكري على منع المزيد من تفكك العراق وانتشار سرطان تنظيم "داعش" إلى بلدان مثل الأردن. ولكن إذا كانت القوات الأمريكية التي بلغ قوامها 150 ألف جندي لم تتمكن من تحقيق الاستقرار في العراق في غياب حكومة شاملة وتتمتع بالقدر الكافي من الكفاءة، فإن التدابير المحدودة المعروضة الآن لن تكون كافية ببساطة. ولابد أن نكون أدركنا الآن أن أي تدخل عسكري غربي يحمل أهدافاً سياسية صريحة، بدلاً من أهداف إنسانية واضحة، يشكل مجازفة حقيقية بتأجيج مشاعر طائفية.
وقد تختلف الأمور إذا تمكنت الولايات المتحدة وغيرها من اللاعبين الرئيسيين من الشروع في نفس الوقت في تنفيذ مشروع إقليمي واسع النطاق لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ولكن هناك الكثير من الأجندات المتنافسة التي تحول دون جعل هذا الهدف واقعياً في المستقبل المنظور. والواقع أن قِلة من هم على استعداد لقبول حقيقة مفادها أن الرئيس السوري بشار الأسد، على الرغم من سجله، يكاد يكون من المؤكد الآن أنه أصبح جزءاً من الحل. ويلعب الجرح المفتوح المتمثل في الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني دوراً كبيراً في كل الخصومات.
إن هدف مكافحة الإرهاب أكثر معقولية بطبيعته من هدف تحقيق الاستقرار السياسي، وربما تتطلب السياسات المحلية في الولايات المتحدة وأستراليا وأماكن أخرى من العالم الاهتمام الذي تتلقاه من زعماء الغرب. وبقدر ما قد يكون من الممكن تدمير الأرض التي تسمح بتوالدهم وتكاثرهم، كما كان تنظيم "القاعدة" في أفغانستان، فسوف يكون عدد الإرهابيين الجدد الذين نخشى ظهورهم أقل.
ولكن من الصعب أن نصدق أن حملة عسكرية من ذلك النوع المتصور الآن، حتى بدعم كبير من البلدان العربية، من الممكن أن يحقق هذا الهدف في أي وقت قريب، أو بتكلفة معقولة، سواء في العراق أو في الملاذات الآمنة لتنظيم "داعش" في سوريا . ولا بد من تحمل العبء الحقيقي الآن من خلال التعاون الدولي الفاعل في المجالات الاستخباراتية والشرطية.
إن بناء كفاءة القوات البرية العراقية والكردية التي تشكل أهمية حاسمة في استعادة الأرض والحفاظ عليها سوف يستغرق وقتاً طويلاً، وقد يتعذر تحقيق نفس الغاية مع ما يسمى بالقوات المعتدلة داخل سوريا. وتفرض الغارات الجوية في أي مكان وقوع الضحايا بين المدنيين وبالتالي إمكانية تأجيج نفس المشاعر التي نسعى إلى مواجهتها.
وعلاوة على ذلك، فإن شن غارات جوية على سوريا من دون الحصول على موافقة الحكومة السورية أو تفويض من مجلس الأمن يشكل انتهاكاً واضحاً لميثاق الأمم المتحدة. والواقع أن احتمال شن هجمات إرهابية مستلهمة من تنظيم "داعش" في الولايات المتحدة ليس حقيقياً أو وشيكاً بالقدر الكافي لتبرير الاعتماد على استثناء الدفاع عن النفس . وتشكل القلوب والعقول أهمية كبيرة في مكافحة الإرهاب، ويصبح الفوز بالقلوب والعقول أصعب كثيراً كلما شرعت الولايات المتحدة والدول المؤيدة لها في عمل عسكري ينتهك القانون الدولي بوضوح. وحتى الآن تشهد المحاولات البطيئة لإقناع وإشراك الدول العربية في حملة أوباما على التوتر الذي يشعر به العديد منها استناداً إلى كل هذه الأسباب.
وإلى حد كبير يُعَد المنطق الأكثر إقناعاً لتبرير العمل العسكري وكان كذلك منذ البداية هو الهدف الإنساني: المسؤولية عن حماية السكان المعرضين لخطر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وغير ذلك من الجرائم الكبرى ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وقد ذكرت من قبل أن كل الشروط الضرورية في هذا السياق مستوفاة، وسوف تستمر هذه الحال ما دام تنظيم "داعش" محافظاً على طريقة عمله المروعة.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة وقوات التحالف يصبح لديها الحق، بالعمل ضمن هذا الإطار، في تعطيل وإفساد قدرات تنظيم "داعش" والسعي إلى تدميره على النحو الذي يخدم أيضاً هدف مكافحة الإرهاب. ولكن الهدف الأساسي للتدخل سوف يظل إنسانياً بشكل لا يقبل اللبس، وبهذا يصبح أقل عرضة لردود الفعل السلبية المناهضة للغرب مقارنة بأي مهمة أخرى. بل وقد نشهد حتى بعض التسامح الدولي مع عمل واضح المعالم ومحدود في سوريا في حالة وجود تهديد إنساني وشيك وواضح.
وإذا تم تعريف الحملة ضد تنظيم "داعش" وإدارتها باعتبار الحماية الإنسانية هدفها الرئيسي، فلابد أن تصادف النجاح، ليس فقط في منع المزيد من الفظائع والأعمال الوحشية، بل وأيضاً في تحقيق نجاحات كبيرة في الحد من خطورة التهديد الإرهابي الأوسع في منبعه. وإذا ضَلّ الغرب وانحرف عن هذا الهدف الرئيسي، فمن المرجح أن ينتهي هذا المشروع إلى الدموع والآلام، مثله في ذلك كمثل العديد من المغامرات السابقة في الشرق الأوسط.