مشكلة تفسير أسباب الإرهاب

“الناتو” يقترب أكثر من روسيا

الاتحاد الأوروبي يبتلع اتحاد المغرب العربي

الافتتاحية

هل تستفيد أحزاب الإسلام السياسي من تحولات حركة النهضة التونسية؟

  كتب المحرر السياسي
أعلن زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، في أيار الماضي، ان الحركة حريصة على فصل الدين عن الدولة، في خطوة غير مسبوقة في اوساط تيارات الاسلام السياسي التي تنتمي اليها النهضة، وقال رئيس الحركة راشد الغنوشي إن النهضة ستتحول إلى العمل في الحقل السياسي فقط. قرار الحركة بالفصل الكامل بين العمل الدعوي والسياسي في عملها يعني أنها ستتجه إلى التخصص الوظيفي، بحيث تتفرغ للعمل السياسي الميداني وتحال بقية النشاطات إلى المجتمع المدني.

ابحث في الموقع

التصويت

ما هو رأيك بالتصميم الجديد لموقع جريدة الجريدة؟
 ممتاز
 جيد
 مقبول

الساعة الآن

تفاصيل الخبر

مبارك.. أحلام السلطة وكوابيس التنحي


2014-08-11

مبارك.. أحلام السلطة وكوابيس التنحي

 الجزء الثالث
“الإنسان له قدر واحد" الكلمة للروائي ماريو بوزو، في روايته العراب "الأب الروحي"، ورغم أنها قيلت للتعبير عن مصائر البشر في عالم المافيا، فإنها تنطبق على عالم السياسة بدرجة ما، حيث تبدو مصائر الناس في عالم السياسة مرهونة بالمصادفات والمفارقات، ولم يكن حسني مبارك بعيدا عن هذه المصادفات والمفارقات، وربما حتى وهو لم يعرف اسم الروائي وقصته، فقد كان يفكر في ترتيبات الأقدار لحياته، في اليوم التالي لخروجه من السلطة، وربما فكر في إمكانية أن يغير من هذه الاختيارات، وقد ظل نصف حياته الأول يبتعد عن عالم السياسة ويتحاشاها، ويبدو أنه بعد أن وجد الوقت والمساحة، فكر فيما لو كان في إمكانه أن يختار لحياته مسارا آخر.
حسني مبارك بعد 11 فبراير 2011، غير قبله، ومنذ هذه اللحظة وطوال تنقلاته بين مستشفيات وسجون وقاعات محاكمة، من المؤكد أنه استعاد مرات شريط حياته الممتد، كان في أكثر من نصفها يظن أنه المتحكم في القرارات، بينما هو اليوم ينتظر تصريفات القدر، ويجلس بينما القرار في حياته ومستقبله في أيدي آخرين. ووجدت الأحلام والكوابيس طريقها إليه، بعد سنوات لم تطارده. يستعيد وجوها وأسماء.
السلطة وحدها تصنع الهيبة.. ومبارك الجالس وحيدا يرى نفسه وقد أدى ما عليه من واجبات، ويبدي قدرا من الدهشة وهو يرى المظاهرات في الشوارع تطالب برأسه، وهو لم يفعل غير ما كان عليه أن يفعل، أدى واجبه، ولم ير نفسه أبدا هذا الديكتاتور الذي يسمع ويقرأ عنه ويراه. وهؤلاء الذين في الشوارع لا يعرفون خطورة أن تكون صاحب القرار الأول، والكل ينتظر إشارة أو حتى غمزة عين. وحتى في أكثر اللحظات صعوبة وسط المظاهرات والغضب، لم يطلب منه أحد ممن حوله أن يترك الحكم، بل إنه أجرى عشرات الاتصالات بصحفيين ومسؤولين سابقين وحاليين يسألهم عن رؤيتهم، لكن أيا منهم لم يشر عليه بأن يرحل، وقال ذلك ضمن حواراته التي كان يعيدها أمام أبنائه وزوجته "ماحدش قال لي انتحى.. كلهم قالوا غير حكومة نظيف".
فقط أشاروا عليه أن يغير الحكومة، وألقوا بالمسؤولية على الحزب الوطني وأحمد عز، وأكثر من مرة ردد أمام مرافقيه سواء زوجته أو أبناءه "هما عاوزين إيه؟ مش سبت الحكم خلاص.. سبت لهم الجمل بما حمل..." لكنه كان يواجه الكثير من التفاصيل عن حياته ونشأته، ويستعيد الكثير من التفاصيل التي تعود به إلى طفولته، ويرى نفسه قطع رحلة طويلة، وبعيدة، كان خلالها حريصا على أن يبقى قادرا على السير للأمام، من دون أن ينظر خلفه، لكنه اليوم ينظر خلفه ويستعيد حياته.
وجد حسني مبارك نفسه وحيدا خارج السلطة يستعيد حياته ويفكر فيما كان يمكنه أن يفعله ولم يفعله، ربما شعر بندم ما على أنه تسرع في ترك الحكم، وبالطبع فقد تأمل نظرات ابنه جمال التي تحمل معنى الأسف، وتساءل: هل كان يمكنه إيقاف كل هذا.. ولعل جمال يكتشف حجم الـ"البلوة" التي كان يسعى إليها.
مبارك يتساءل عما إذا كان يمكنه أن يتخذ من القرارات مما يمنع عنه هذا المصير الذي يبدو غامضا، ويرى نفسه لأكثر من 80 عاما، قد قضى منها 60 عاما في مواقع ومناصب مهمة، هي نفسها عمر كامل لبشر، منها 36 عاما في عالم السياسة، التي كان يتحاشاها في النصف الأول من حياته، لكنها سعت إليه، وفرضت نفسها عليه. فيما بدا مفارقة من مفارقات كثيرة حكمت حياته وحياة أسرته، أهم هذه المفارقات أنه بقدر ما استفاد من البعد عن السياسة وعالمها بقدر ما كانت السياسة لها تأثيرها المباشر على مسيرته، بل ومسيرة أسرته، أطاحت السلطة بكثيرين من حوله، بينما منحته مواقع ومناصب رفعته إلى الرئاسة أهم وأخطر المناصب.
لم ينتبه مبارك إلى أن نقطة الانقلاب بدأت قبل سنوات من يناير2011، وتراجع عن فتح باب التجديد في النظام، وتصور أنه يمكنه معاكسة قواعد الطبيعة، وتصور أو صور له من حوله أنه يمكن أن ينقل السلطة لابنه، بشكل آمن، وتجلت نقطة الانقلاب منذ عام 2008 عندما بدا نظام مبارك يكرر ما سبق له أن فعله، الأزمات تتكرر كما هي وردود الأفعال هي نفسها.
وما جرى من 25 يناير حتى 11 فبراير 2011، كان السقوط المتسارع، بعد سنوات من الانحناء.. بدأت فكرة هذا الكتاب عام 2006 بعد سقوط كل الرهانات على تغير نظام الحكم، وبدت إشارات عديدة لتوريث الحكم من حسني مبارك إلى جمال، وهي إشارات كانت ظاهرة، مهما حاول كثيرون نفيها بعد تنحي مبارك، وكانت معها إشارات الانهيار للنظام السياسي والاجتماعي.
مبارك بدا أكبر من عمره بسنوات، ولم يلتفت إلى أن كل هؤلاء المواطنين الذين خرجوا ضده في الشوارع، يرونه ديكتاتورا ومتسلطا عجز عن إيقاف التدهور، ولم يهتم بقراءة ما يكتب، واعتاد أن يعطي ظهره للمعارضة، ويتعالى عليها، ويراها مجرد كلام، بل إنه سخر من هؤلاء المعارضين الذين هددوا بتشكيل برلمان موازٍ وقال أمام الجميع: "خليهم يتسلوا".. مبارك الذي يبدو غاضبا من أن يعامله الشعب بهذا العنف، اعتاد أن يرى هؤلاء المعارضين مجرد أصوات، وهؤلاء المتظاهرين، مضحكوكا عليهم، بينما تسلوا هم بالغضب، وخرج هو ليستعيد ذكرياته التي لم يجد الوقت لتذكرها طوال 40 عاما.
أولى نتائج السياسة على حياة حسني مبارك كانت لثورة 1919، وحصول والده السيد مبارك على وظيفة تخرجه من مصير أن يبقى فلاحا أجيرا، لكنه حصل على وظيفة بوساطة من عبدالعزيز باشا فهمي، ابن قريته كفر المصيلحة، وأحد زعماء ثورة 1919 مع سعد زغلول. كما أن معاهدة 1936 التي أبرمها الوفد مع الإنجليز، كانت أحد العوامل التي سمحت لمبارك بالانضمام للجيش ودخول الكلية الحربية ثم كلية الطيران، مثل كثيرين من أبناء الطبقة الوسطى الصغيرة، وبوساطة من عبدالعزيز باشا فهمي نفسه، الذي رحل عام 1951 بعد عامين فقط من دخول حسني مبارك للكلية الحربية.
وحتى تعليم حسني مبارك فقد كان في مدرسة المساعي الحميدة الثانوية بشبين الكوم، قامت بفضل جمعية خيرية بنفس الاسم أنشأها كبار الملاك في المنوفية، وكلها تبدو مصادفات ومفارقات حددت مستقبل حسني السيد مبارك.. وكان تقدم أسرته اجتماعيا في جزء منها من مكاسب ثورة 1919، ونشاط الوفد الحزب الأكثر شعبية.. كل هذا لم يدفع حسني مبارك للاقتراب من السياسة، بل إنه عُرف تلميذا مجتهدا يذاكر في الحقول أو في المسجد، ويمارس الرياضة، ومثل كثير من التلاميذ المجتهدين كان يبدو منطويا وله اهتماماته بعيدا عن زملائه.
أي من أفراد الأسرة تذكره مبارك في لحظات الحلم والكابوس؟.. مبارك اختلف عن الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات بعزوفه التام عن الحديث عن حياته الشخصية قبل توليه الحكم أو الإشارة لعائلته وجذوره.. عبد الناصر كان فخورا بأسرته البسيطة ووالده البوسطجي وارتباطه بأمه وصدمته في وفاتها.. وتحدث عن عائلته وكفاحه قبل الثورة، وأنور السادات كان دائم الحديث عن قريته ميت أبو الكوم وارتباطه بها حتى سنوات عمره الأخيرة، وإن كان أخذ عليه أنه كان يعدل في حكاياته وتاريخ أسرته، في أوقات وكتب مختلفة، بشكل جعل هناك أكثر من تاريخ للأسرة.
أما حسني مبارك فلم يعرف عنه تطرقه لشؤونه العائلية والأسرية، وهناك نقاط مجهولة عن تاريخ أسرته الحقيقي رغم أنه بقى في السلطة 36 عاما منها 30 عاما في منصب الرئيس، وأغلب الأخبار عن أسرته ونشأته تأتي إما من مصادر خارجية أجنبية، أو من حكايات متواترة مشكوك في صحة بعضها.
مبارك نجح في إبعاد أسرته وتاريخه الشخصي والعائلي بعيدا عن الإعلام، ومثلما كان في حكمه فقد ظل تاريخه بعد رحيله عن الحكم محاطا بالكثير من الغموض، وحتى هؤلاء الذين عملوا معه واقتربوا من نظامه، عندما تحدثوا لم يضيفوا الكثير مما كان معلنا وقت وجوده في السلطة، وحتى المصادر الأجنبية والمصرية، لم تقدم الكثير فيما يخص حياة مبارك الشخصية، وتركزت أغلبها حول دوره السياسي وفترات دراسته العسكرية في الداخل والخارج، وحتى بعد رحيله عن السلطة، لم تضف محاولات البحث كثيرا إلى ما هو متوفر، لكن الثابت أن حسني مبارك لم يحاول تغيير سيرته أو يخترع سيرة لعائلته ولم يثبت أنه منحاز لأهله أو أقاربه خلال السنوات الأولى من حكمه، وهو ما فسره البعض بأنه نوع من الجحود، والتعالي بينما اعتبره أنصاره ومؤيدوه نوعا من التعفف، ورفض التدخل أو التوسط لأقاربه، وقالوا، إن إخوته عاشوا وبعضهم رحل في حياته من دون أي ضجة.
بعض القصص تروى أنه لم يكن يحب ذكر سيرة والده لأنه كان موظفا صغيرا في محكمة، أو والدته، لكن أيا من هذه القصص لم يقدم برهانا على أن مبارك كان يحتقر أهله، وهي قصص وحكايات تدخل ضمن محاولات سحب أي ميزة عن الديكتاتور السابق، بينما يمكن النظر له مثل كثيرين من الطبقة الوسطى التي تجد طريقها للصعود الاجتماعي، ضمن دولة مركزية كل سلطاتها بالعاصمة، غالبا كما ينشغلون في مهامهم ومناصبهم، وينفصلون مع الوقت عن متابعة قراهم أو مدنهم وأهلهم.. مبارك لم يكن من النوع المتعدد الصداقات، ربما لأنه دخل عالم السلطة مبكرا، في عقده الرابع، ولهذا لم يظهر له أصدقاء طفولة يتحدثون عنه، ربما لأنه خرج من السلطة إلى السجون والمحاكمات، في زحام فترة مليئة بالأحداث.
واتفق بعض أهل قريته أنه لم يكن يهتم بكفر المصيلحة مثلما كان الرئيس أنور السادات يفعل مع قريته ميت أبو الكوم، حيث حرص السادات على إعادة بناء منازلها الريفية وتوصيل السخانات الشمسية إلى الكثير منها، وكان حريصا على زيارتها وعقد مؤتمرات صحفية فيها، كما أنه كان مولعا بالحديث عما أسماه "أخلاق القرية المصرية"، التي كانت تعنى لديه قيم الاحترام من الصغير للكبير، وترجم هذا في وضع نفسه كبيرا للعائلة المصرية وهو وضع يستحق الاحترام.
مبارك لم يكن له تاريخ أسرى معروف، فهو لم ينتم لأسرة عريقة، وإن كانت أسرته لم تكن مجهولة تماما.. ومن المصادر التي تعرضت لجزء من حياة مبارك كتاب عن دار "تشسي هاوس" عن "كبار زعماء العالم" عام 2008، بالإضافة إلى حكايات وقصص، منقولة عن أهالي قريته كفر المصيلحة، كان الصحفيون يلحون للحصول عليها من أهالي القرية، وهي حكايات متضاربة، بعضها يصور مبارك على أنه الابن الجاحد، والبعض الآخر يراه حاكما له أخطاء أو ميزات. وأغلبها تردد في أوقات مرتبكة كانت المشاعر فيها مختلة تجاه مبارك وأسرته، نأخذ منها ما هو مؤكد أو ما يتماشى مع المنطق.
ولد محمد حسني مبارك في 4 مايو 1928 في قرية كفر المصيلحة بمحافظة المنوفية بوسط الدلتا وهي نفس المحافظة التي كان ينتمي إليها الرئيس أنور السادات، وهي من أكثر المحافظات شهرة في عدد المسؤولين والوزراء والرؤساء، كما أن "المنايفة" كانوا محل تساؤل دائم، بالرغم من أن السبب غالبا كان لأن المنوفية محافظة زراعية ظلت حتى إنشاء مدينة السادات تفتقد إلى المجال الصناعي وبالتالي فهي طاردة لأصحاب الطموحات فضلا عن قربها من القاهرة ولا تبعد أكثر من 50 كيلومترا عن العاصمة.

المزيد من الاخبار

خريطة زوار الموقع

أحصائيات

عدد الزوار حاليا : 6
عدد زوار اليوم : 63
عدد زوار أمس : 266
عدد الزوار الكلي : 139006
مستشار العبادي يتهم متظاهرين بحمل “سيوف ومسدسات” الحسم “مرهون” بالمحكمة الاتحادية... عطلة البرلمان تؤخر جهود الحوار السياسي هل تستفيد أحزاب الإسلام السياسي من تحولات حركة النهضة التونسية؟ الالتفاف على الديمقراطية التشاركية في تونس مشروع البرنامج السياسي المقترح للاتحاد الديمقراطي العربي / الجزء الثاني الحركات التكفيرية وقابلية التوظيف: أزمات ذاتية وتراث مُشوّه انتخابات أَمْ تحوّلات في المجتمع الأميركي؟! أوجاع وآلام النخبة العربية الضائعة فرطت في ربيع شعوبها “ثلاجات اجتماعية”توفر الغذاء للمحتاجين في الأرجنتين