تفاصيل الخبر
الفساد “الفضائي”
2014-12-07
كتب المحرر السياسي
قدّم السيد رئيس الوزراء في 2014/11/30، عرضاً مهماً في مجلس النواب نال استحسان البرلمانيين وعموم المواطنين.. وهذا النمط من الحديث الصريح سمة مطلوبة من جميع المسؤولين، وبخاصة حين يكون الأمر متعلقاً بالفساد وقضاياه التي أصبحت عبئاً ثقيلاً ومشكلة مستعصية تؤرق جميع المخلصين والحريصين على ثروة البلاد التي تُهدر يومياً أمام الأنظار من دون مسؤولية أو محاسبة.
تناول حديث رئيس السلطة التنفيذية جوانب كثيرة مهمة، لكننا سنسلط الضوء على الفساد الذي نخر المؤسسات الأمنية وأدى إلى تسليم ثلث مساحة البلاد ـ بدون قتال ـ إلى القوى الإرهابية. وكانت المفاجأة الكبرى حين أعلن رئيس الوزراء عن اكتشاف (50) ألف فضائي، وهذا التعبير يُقصد به الجنود الذين يتسلمون مرتبات من الدولة ولا وجود فعلياً لهم إلاّ في سجلات الرواتب.
العبادي كشف أن بعض القادة والآمرين يتسلمون هذه المرتبات، وإن اكتشاف هذا العدد الهائل من "الفضائيين" تم عن طريق تدقيق مستندات الرواتب. ويرى كثير من المراقبين أن الاستمرار بالتدقيق سيكشف مزيداً من العناصر "الفضائية" الأخرى، قد تصل إلى أرقام مهولة..
إننا في الوقت الذي نحيي هذه الجهود في كشف الفساد، نطالب بمتابعة التدقيق وتعميمه ليشمل عموم المؤسسات الأمنية من دون استثناء، كما أننا نحيي المبادرة التي أطلقها بعض النواب الذين طالبوا بعقد جلسة استثنائية خاصة لمجلس النواب للتحقيق في أسباب سقوط الموصل ومحاسبة الأفراد والجهات التي تسببت في تسليمها بأيدي الإرهابيين بسهولة بالغة ومن دون قتال.
إن هذه الفضائح المؤلمة جاءت تأكيداً لتقرير منظمة الشفافية الدولية بشأن مؤشر مدركات الفساد خلال العام الماضي الذي وضع العراق رابعاً في سلم البلدان التي يعيث فيها الفساد بعد الصومال وكوريا الشمالية والسودان، إذ أن التقرير أشار إلى أن "جهود وقف الفساد في هذه البلدان سجلت تراجعاً بسبب إساءة القادة وكبار المسؤولين استخدام الأموال العامة وتهريبها مع الإفلات التام من العقاب"، الأمر الذي يستوجب متابعة الموضوع وصولاً لنهاياته في عموم الأجهزة الأمنية والإدارية. وبهذا الصدد نقترح على مجلس النواب تشريع قانون "من أين لك هذا؟" لقطع الطريق أمام كثير من الفاسدين الذي يحاولون ـ تجنباً لانكشافهم ـ قطع ارتباطاتهم بالعمل الحكومي بعد أن أتخموا بمليارات السحت الحرام، فواجب العدالة ملاحقتهم إذا أردنا فعلاً القضاء على آفة الفساد والمفسدين، ولا بدّ أيضاً من معالجة الفساد بمعناه الأوسع الذي لا ينحصر بسرقة المال العام وهدره فقط، بل أن أيّ خرق للقوانين يجب أن يُنظر إليه بصفته جريمة وفساداً، فالذين تقلدوا مراكز ومناصب في الجيش والمؤسسات الاخرى تحت مسمى "الدمج" هم نوع وشكل آخر من الفساد، وهذا النوع اتبع منذ تشكيل مجلس الحكم وشاركت فيه جميع أطراف العملية السياسية، إضافة إلى أن تجاهل أشخاص دعمتهم أحزاب المحاصصة وعينوا في مناصب مهمة من دون أن تنطبق عليهم معايير الكفاءة والشهادة العلمية هو أيضاً نوع آخر من أنواع الفساد.
لقد تنامى الفساد وتشعب واستشرى بسبب سياسة المحاصصة الطائفية وانتهاك القوانين وافتقاد قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.. وحدها التحقيقات العادلة والشفافة والمهنية والنزيهة هي ما ستكشف لنا في المقبل من الأيام كم فقدنا من الضحايا والأموال والأراضي وفرص التقدم بسبب هذه الآفة المستشرية.